حرب غزة: تبييض صفحة نتنياهو بالدم الفلسطيني

رئيس الحكومة الاسرائيلية له رأي آخر. هو الذي عانى من تعميم صورته السيئة لدى الحكومات الغربية بسبب مواقفه المتعنّتة في المفاوضات مع الفلسطينيين خلال السنوات الاخيرة. فقد وجد الفرصة من خلال سحر "الحرب على الارهاب" لاعادة تعويم نفسه خارجيا وتحسين علاقاته مع الرئيس الاميركي باراك اوباما والحكومات الاوروبية. وقد لقي تضامنا وتأييدا من قبل الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند في حملته العسكرية على غزّة.

لماذا شن رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو حربا على غزّة في هذا التوقيت؟

ظاهر الأمر أنّ المشكلة بدأت مع المستوطنين الثلاثة الذين اختطفوا على أيدي “مجهولين” (ولنتمعّن في كلمة “مجهولين”) وقُتِلُوا في مدينة الخليل بالضفة الغربية.

لم تكتشف الحكومة الاسرائيلية هويّة من يقف وراء هذه العملية. حركة “حماس” لم تتبنَّ العملية، لكن باركتها على لسان قادتها وعلى رأسهم خالد مشعل. واعتبرت الحركة، مثل غيرها من بعض فصائل غزّة، أنّها “حق مشروع في سبيل اطلاق الاسرى ومواجهة التعنّت الاسرائيلي حيال عدم اطلاق الاسرى والسجناء الفلسطينيين”.

رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ادان العملية ورفضها، وبعض مسؤولي “حماس” تهكّموا على موقف عباس هذا. أما نتنياهو فنظر الى عملية قتل المستوطنين على اعتبارها هدية ثمينة تلقّاها (تلقّاها أم صنعها؟) في وقت هو في أمسّ الحاجة إليها.

أولا لا يستبعد بعض المراقبين الفلسطينيين أن يكون “المستعربون” في الضفة الغربية هم وراء خطف وقتل المستوطنين الاسرائيليين. خصوصا أنّ هويّة منفّذي العملية لم تنكشف حتّى اليوم لدى الجهات الاسرائيلية.

هذه العملية حصلت في اعقاب حدث نوعي جرى في العراق، هو تمدّد “داعش” وانكفاء الجيش العراقي، ودغدغة الاحلام الكردية بدولة مستقلة. هي ايضا في لحظة كانت المصالحة الفلسطينية قطعت شوطا مهما. والعملية الإسرائيلية على غزّة هي فرصة لمنع أبو مازن من تحقيق هذا الانجاز الوطني في لحظة تفسّخ الاوطان والدول في اكثر من بلد عربي.

لنتخيّل أنّ أبو مازن نجح في انضاج الوحدة الفلسطينية ممهّدا لتجديد شرعية القيادة الفلسطينية من خلال انتخابات تشريعية في الضفة الغربية وغزة. والى هذه الخطوة انجزت حركة “فتح” مؤتمرها العام لانتخاب هيئاتها القيادية المقرّر في 4 آب المقبل، اي في ذكرى ميلاد الزعيم الفلسطيني الراحل ابو عمّار. لنتخيّل أنّ هذه الخطوات تحقّقت. بالتأكيد ستكون خطوات محرجة للحكومة الاسرائيلية لأنّها تفتح الباب على مرحلة جديدة تسمح لحماس بالاندماج في رؤية فلسطينية موحدة بالتعامل مع القضية الفلسطينية ووحدة الاراضي الفلسطينية. وبالتأكيد فإنّ الإسرائيلي لا يريد لحماس ان تندمج في سياق وحدوي بالداخل، بل يريد لصوت المقاومة العسكرية ان يعلو في هذه الايام، لمنع ابو مازن من قطف ثمار الوحدة داخليا ودوليا.

رئيس الحكومة الاسرائيلية له رأي آخر. هو الذي عانى من تعميم صورته السيئة لدى الحكومات الغربية بسبب مواقفه المتعنّتة في المفاوضات مع الفلسطينيين خلال السنوات الاخيرة. فقد وجد الفرصة من خلال سحر “الحرب على الارهاب” لاعادة تعويم نفسه خارجيا وتحسين علاقاته مع الرئيس الاميركي باراك اوباما والحكومات الاوروبية. وقد لقي تضامنا وتأييدا من قبل الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند في حملته العسكرية على غزّة.

166 شهيدا حتى الامس في غزة، وهو عدد مرشح للازدياد، والملاحظ أنّ العدوانية الاسرائيلية تحاول تثبيت “شرعية” استهداف المدنيين الفلسطينيين. تماما كما هو الحال في الحرب على الارهاب التي تُخَاض في سورية والعراق بالبراميل المتفجرة، حيث يساهم نظام الاسد وداعش وحكومة المالكي، بما يرتكبونه في “حربهم على الارهاب”، بتبرير أفعال نتنياهو المشيئنة ضدّ الفلسطينيين. لذا فهو ليس حذرا من أيّ غضب دولي محتمل حيال قتل المدنيين.

فإسرائيل ليست خارج الحلف على الارهاب الذي يتشكل ضد “داعش” و”القاعدة” واخواتها. وهي لن تجد هذه المرة مواقف دولية تقلقها من تماديها في قتل المدنيين وتدميرالمنشآت المدنية، وصولا الى تدمير فكرة التفاوض من اصلها، وتثبيت قواعد تعامل مختلفة من الناحية القانونية والدولية بين قطاع غزة والضفة الغربية.

ربما لهذا كان محمود عباس يريد وقف العدوان على غزة وبدء المفاوضات مباشرة. رغم ان المزاج الشعبي قد لا يستسيغ الدعوة الى المفاوضات مع اسرائيل الآن. لكنّها دعوة تنطوي على اسقاط اهداف نتنياهو بتقويض الوحدة،السياسية وفصل غزّة نهائيا عن رام الله، عبر السعي لالزام الحكومة الاسرائيلية بالعودة الى قواعد التفاوض. فضلا عن ان الدماء الفلسطينية التي تسيل في غزة اليوم مرشحة الى المزيد من السيول مع تفاقم العدوانية الاسرائيلية. واللامبالاة العربية والدولية.

هي حرب اعادة تبييض صفحة نتنياهو دوليا، وحرب فرصة الانتقام الاسرائيلي الشرس من الشعب الفلسطيني تحت عنوان تأديب حركة حماس، وفي السياسة المطلوب رأس أبو مازن، وإسقاط أيّ ملمح يلوح لقيام كيانية فلسطينية سواء بالانتخابات التشريعية، بالمفاوضات، أو بالوحدة السياسية بين غزّة والضفّة …

السابق
وزير العدل الاميركي يخشى ‘التحالف القاتل’ بين الاسلاميين في سوريا
التالي
حسين عطوي البداية.. سنّة العرقوب يطلبون حصتهم من المقاومة