هل تواجه الحكومة ما واجهته حكومة ميقاتي

بات واضحاً لكثير من المراقبين أن إيران بعدما نجحت في إبقاء الرئيس بشار الأسد في السلطة بعد “انتخابات” جددت ولايته للمرة الثالثة، رغم المعارضات السورية على اختلاف اتجاهاتها، ورغم مطالبة الولايات المتحدة الاميركية ودول أوروبية بتنحيه شرطاً للتوصل الى حل سياسي للأزمة السورية، فإن إيران تتطلع الآن الى العراق محاولة إبقاء نوري المالكي على رأس الحكومة أو الاتيان برئيس يكون على صورته ومثاله وإلا فلتستمر أزمة انتخاب الرؤساء الثلاثة في العراق الى ما شاء الله… وتتطلع إيران أيضاً الى رئاسة الجمهورية في لبنان رافضة انتخاب رئيس لا يكون مع خطها السياسي في المنطقة أو لا يكون على علاقة طيبة مع النظام في سوريا، لأن أي حكم في لبنان لا يكون قادراً على إقامة مثل هذه العلاقة، قد لا يرتاح ويعرض بالتالي المصالح المشتركة بين البلدين للضرر. لذلك فإن نواب “حزب الله” ومن معهم سيظلون مقاطعين جلسة انتخاب رئيس للجمهورية الى أن تأتيهم الإشارة من إيران ولا أحد يعرف متى تأتي… هل عندما يصبح “داعش” على أبواب لبنان كي يتوقف نواب عن البحث في جنس الرئيس؟ هل عندما تتحول المواجهة العسكرية الاسرائيلية – الفلسطينية حرباً شاملة في المنطقة فيصبح لانتخاب الرئيس عندئذ الأولوية؟

لكن أوساطا سياسية ترى أن الوضع في لبنان غيره في سوريا وفي العراق بالنسبة الى الخيارات السياسية. فإذا كان العراق وسوريا مع خط “الممانعة” ومع إيران فان لبنان ينقسم انقساماً حاداً بين من هو مع هذا الخط، ومن هو ضده، وهو ما جعله يختار الحياد سبيلاً للخروج من صراعات المحاور، هذا الحياد الذي صار اتفاق عليه بالاجماع في هيئة الحوار بعد بيان صدر عنها وعُرف بـ”اعلان بعبدا” لكن “حزب الله” اضطر الى أن يعود عن موافقته عليه عندما طلبت منه إيران التدخل عسكرياً في الحرب السورية لأن هذا التدخل في نظر ايران اهم من التزام لبنان الحياد… فهل تواجه حكومة الرئيس تمام سلام ما واجهته حكومة الرئيس نجيب ميقاتي بالنسبة الى سوريا وايران، فتلتزم سياسة النأي بالنفس وتبدأ ترجمتها بانسحاب مقاتلي “حزب الله” من سوريا، وهو انسحاب لا بد منه خصوصاً بعد هجمة “داعش” المدهشة في العراق وخطر امتدادها الى غير دولة في المنطقة، ولا شيء يحمي لبنان منها ومن غيرها في زمن الارهاب سوى الحياد؟ فإذا كانت ايران مع تحييد لبنان فإنها تسهل اجراء انتخابات رئاسية تأتي برئيس يصلح لهذه المرحلة كما سهلت تشكيل حكومة سلام بتنازلات متبادلة. أما اذا كانت ايران ترفض إخراج لبنان من سياسة المحاور وتريده أن يكون معها ليكتمل مثلث العراق – سوريا – لبنان، فإن الوضع الداخلي قد يصبح معرضاً للانفجار ومفتوحاً على كل الاحتمالات.
فإذا كان هذا هو موقف إيران من لبنان فإن “حزب الله” يترجمه على أرض الواقع باحداث فراغ في كل مؤسساته بحيث يسودها شلل لا خروج منه إلا بعقد مؤتمر وطني يعيد البحث في دستور الطائف وربما في صيغة لبنان. وإيران قادرة على فعل ذلك من خلال “حزب الله” ومن معه، فكما عطلت ايران بواسطة هذا الحزب انتخاب رئيس للجمهورية، وسهلت تشكيل حكومة كي تنتقل اليها صلاحيات الرئيس، فإنها تستطيع تفجير الحكومة من الداخل إذا خالفت خط سير طهران في المنطقة، وعندها يكتمل الفراغ الشامل بتعطيل إجراء انتخابات نيابية وكذلك التمديد لمجلس النواب. وهذه السياسة الايرانية التي يعارضها أكثر من نصف اللبنانيين وأكثر من نصف الحكومة قد تفرض استقالتها كما استقالت حكومة ميقاتي للأسباب نفسها. والسؤال الذي يصبح مطروحاً هو: أين أشقاء لبنان وأصدقاؤه، وهل هم مع هذه السياسة، وماذا يعني قول منسوب الى الرئيس الايراني حسن روحاني: “أن لبنان مهم جداً بالنسبة إلينا ونريده أن يبقى لبنانياً لأن في ذلك مصلحة لنا وألا يكون ورقة في أيدي الآخرين”… وماذا يعني بقوله “أن يبقى لبنانياً”، هل يعني أن يبقى لبنان سيداً حراً مستقلاً خارج صراعات المحاور لأن في ذلك مصلحة لإيران، أم يريده لبنانياً مع إيران، وعندها لن يبقى لبنان واحداً موحداً؟
إن التطورات المتسارعة في المنطقة هي التي تكشف حقيقة موقف الدول الشقيقة والصديقة من لبنان، فإذا كانت تريده أن يبقى واحداً موحداً ونموذجاً للعيش المشترك، فلا سبيل الى ذلك سوى تحييده عن صراعات المحاور. أما إذا كانت تريده غير ذلك، فإن لبنان قد لا يبقى واحداً موحداً إلا إذا انتفض قادته المخلصون وقرروا هم انقاذه باتفاقهم على تحييده.

السابق
ماذا يعني توسط أوباما لدى «حماس»؟
التالي
دوريات مكثفة لجيش الاحتلال الاسرائيلي على طول الخط الحدودي