واشنطن: الجماعات المسلحة المتشددة في العراق ’خطر داهم’

لم تترك أحداث ما بعد العاشر من شهر يونيو (حزيران) المنصرم، والتي تمثلت باحتلال محافظتي نينوى وصلاح الدين من قبل تنظيم داعش، أي تأثيرات إيجابية على الأزمة السياسية في العراق المستمرة منذ سنوات. وفي وقت أعلن فيه تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) دولة الخلافة بعد مرور شهر واحد على احتلال مدينة الموصل، ثاني أكبر مدينة بالعراق، وقيام أبو بكر البغدادي الذي نصّب نفسه خليفة للمسلمين بإلقاء خطبة الجمعة في أحد جوامع الموصل، فإن الطبقة السياسية في العراق لم تتمكن على الرغم من مرور شهرين على إجراء الانتخابات التشريعية من تسمية الرئاسات الثلاث للبرلمان والجمهورية والوزراء، كما لم تتمكن من عقد جلسة برلمانية كاملة النصاب.
رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة المنتهية ولايته نوري المالكي أخذ على عاتقه إعادة تنظيم القوات المسلحة التي انسحبت دون قتال في الموصل، مستفيدا من الفتوى التي أصدرها المرجع الشيعي الأعلى آية الله علي السيستاني، بما سماه «الجهاد الكفائي» دفاعا عن الأماكن الدينية المقدسة وإعادة تحرير المدن التي تم احتلالها وفي المقدمة منها الموصل وتكريت. وفي وقت كان يفترض فيه أن تعلن الكتل السياسية موقفا موحدا حيال ما يجري في البلاد، فإن شقة الخلاف بدأت تتسع حتى بلغت حد كيل الاتهامات من قبل المالكي لشركائه الأكراد بأن مدينة أربيل تحولت إلى مأوى لـ«داعش». وبات أثيل النجيفي، محافظ نينوى وشقيق رئيس البرلمان السابق أسامة النجيفي، يصنف من قبل وسائل الإعلام الرسمية المرتبطة بالحكومة فضلا عن عدد من نواب دولة القانون على أنه «داعشي».
الدول العربية والإقليمية المحيطة بالعراق باتت هي الأخرى هدفا للاتهامات بوصفها هي المسؤولة عن تأجيج الأوضاع في العراق تحت ستار الاعتصامات الجماهيرية في المحافظات الغربية ذات الغالبية السنية والإعداد منذ سنة لما بات يعرف بمؤامرة الموصل.
الموصل التي هي واحدة من أكثر المدن العراقية محافظة وتمدنا في الوقت نفسه باتت تجد نفسها اليوم وطبقا لما يقوله الأكاديمي سعد الله ذنون، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، تعيش حالة يمكن وصفها بأنها «بين مطرقة داعش وسندان الحكومة العراقية في بغداد، حيث إن أحدا لم يكن يتمنى أن تبلغ الأمور المدى الذي بلغته»، مشيرا إلى أن «سياسات التهميش والإقصاء التي اعتمدتها الحكومة في بغداد والأهم ممارسات الجيش الاتحادي ضد المواطنين من اعتقالات وعمليات استفزاز، جعلتهم ينظرون إلى أي جهة ترفع شعارات رفع الحيف والظلم عنهم بعين الرضا».
وردا على سؤال بشأن ما إذا كان الموصليون ينظرون بعين الرضا إلى «داعش» التي أعلنت دولة الخلافة وما قد تجره من تبعات قال ذنون إن «هناك نوعين من الحياة في الموصل حاليا، أولا الحياة التي كانت تقوم على كبت الحريات والكتل الكونكريتية والأسيجة وعدم الإحساس بالخوف غير المبرر عبر الاعتقالات أو المداهمات، وهي زالت إلى حد كبير.. والثاني أن الحياة العامة من حيث الخدمات مزرية جدا حيث لا ماء ولا كهرباء ولا سيولة مالية لدى الناس».
وبشأن ما إذا كانت هناك مخاوف من فرض نمط من الحياة المتشددة على مدينة متمدنة مثل الموصل قال ذنون «نعم مثل هذه المخاوف موجودة لا سيما أننا الآن نلاحظ أن (داعش) بدأت سلسلة تصفيات على كل من يقف ضدها من بين العناصر التي كانت متحالفة معهم، وهو مؤشر على أنها تريد فرض نمطها في الحياة»، مشيرا إلى أنها «الآن في مرحلة كسب الناس وعدم التحرش الواضح بهم كما هي الصورة العامة، لكن لديهم محاكم شرعية في العديد من مناطق الموصل، ويُحكم فيها باسم الشريعة، وهو ما بات يخيف المواطنين».
مصدر مسؤول في محافظة نينوى أكد لـ«الشرق الأوسط» شريطة عدم الإشارة إلى هويته أن «تنظيم داعش بدأ بمضايقة الموظفين والمسؤولين في المحافظة، مثل سرقة بيوت هؤلاء أو السكن فيها إذا كانت فارغة، يضاف إلى ذلك أنهم بدأوا الآن في عزل كل الفصائل والجهات التي جاءت معهم حيث لا راية تعلو على الراية السوداء العائدة لهم خصوصا بعد إعلانهم الخلافة».
وكشف المسؤول في المحافظة أن «المحافظ ومجلس المحافظة يحاولون قدر الإمكان مساعدة الناس للتخفيف من الأزمة حيث يتم يوميا جلب 100 طن من الغاز من إقليم كردستان وتوزيعه بين الناس، كما أن الكهرباء معطلة باستثناء الخط التركي وهو وحده الذي يعمل وهو لا يكفي (100 ميغاواط)، وهناك مباحثات مع إقليم كردستان لمد الموصل بخط كهرباء آخر». وأوضح المسؤول الإداري أن «الناس يذهبون إلى نهر دجلة بحثا عن الماء البارد وهروبا من أزمة الحر، لكن الطائرات العراقية وبدلا من أن تضرب أوكار داعش قصفت هؤلاء المواطنين، وهو ما أدى إلى مقتل 8 مواطنين وجرح 18 آخرين».
وردا على سؤال بشأن قرار بغداد بصرف رواتب الموظفين في المحافظة قال المسؤول الإداري إن «هذا القرار إيجابي بحد ذاته لأننا حيال أزمة إنسانية في هذا المجال، لكن الجهات المسؤولة في المحافظة ومجلس المحافظة تدرس الكيفية التي يمكن توزيع الأموال بموجبها، حيث تم الاتفاق على أن تأتي الأموال إلى أحد المصارف القريبة المؤمنة، لكننا سوف نواجه كيفية توزيعها لا سيما في المناطق التي تقع تحت سيطرة (داعش)، حيث إن المسألة معقدة من الجانب الإداري واللوجيستي».
وبينما لم ترتفع الطبقة السياسية العراقية إلى مستوى التحدي الذي تمثله الجماعات المسلحة المتشددة فإن الولايات المتحدة الأميركية باتت تبدي مخاوف أكبر على هذا الصعيد. حيث اعتبر وزير الدفاع الأميركي تشاك هيغل أن الجهاديين السنة الذين استولوا على مناطق واسعة من العراق يمثلون «خطرا داهما» وواضحا على الشرق الأوسط وأوروبا والولايات المتحدة. وقال هيغل خلال زيارة إلى قاعدة بحرية في جورجيا بجنوب شرقي الولايات المتحدة «لن نخدعكم حيال هذا الأمر، ولا يجوز أن ينخدع أحد في الكونغرس بهذا الخصوص. الجهاديون يشكلون خطرا على بلادنا».
وأضاف أن الجهاديين السنة خصوصا التابعين «للدولة الإسلامية» هم «قوة متطورة ومتحركة ومنظمة وممولة بشكل جيد وقادرة». وأوضح أن الجهاديين يمثلون «تهديدا لحلفائنا في الشرق الأوسط وفي أوروبا». وتابع أن هذه المجموعة المتطرفة «قد لا تبدو تهديدا داهما للولايات المتحدة لكنها فعلا تهديد للولايات المتحدة». وأضاف «إنه تهديد واضح لشركائنا في المنطقة، خطر داهم».
وفي جلسة مغلقة أمام أعضاء الكونغرس عن الأزمة الثلاثاء الماضي قال هيغل إن «ما نفعله هو المساعدة بكل الطرق الممكنة لمساعدة الشعب العراقي على دحر الأصوليين المتوحشين الذين لا يحاولون زعزعة العراق فحسب بل السيطرة عليه». وأشار هيغل إلى «التضحيات التي قدمها الأميركيون» في العراق خلال السنوات التي تلت بداية الحرب عليه من قبل تحالف دولي بقيادة الولايات المتحدة لإطاحة نظام صدام حسين في 2003.
وانسحبت القوات الأميركية من العراق في 2011. وأضاف أن تقييم الجيش العراقي من قبل نحو مائتي مستشار عسكري أميركي على الأرض سينتهي «في الأيام المقبلة».

 

السابق
الوضع في الجنوب مضبوط… وكل الاحتمالات مفتوحة
التالي
هل تفتح اسرائيل جبهة الجنوب؟