غزّة تُقصَف، حزب الله يستعرض بالبقاع.. ويستنكر

كان حزب الله يستعرض عضلاته في بلدات بقاعية حين كانت إسرائيل تهين غزّة وتغرقها في دمائها. إستعراض ليس موجها الى إسرائيل. وهذا دليل آخر على أن فلسطين لم تعد الأولوية بالنسبة لحزب الله وجمهوره. هذا يبرره الصحافي قاسم قصير، المتابع لحزب الله بأنّه "لا تزال أولوية حزب الله المقاومة والدفاع عن فلسطين بوجه إسرائيل. لكن الوقوف الى جانب سوريا بوجه اﻹرهاب ﻷن سوريا هي مركز السلاح الذي يصل الى فلسطين وتدريب المقاتلين الفلسطينيين".

في لحظة كانت غزة تتعرّض لعدوان إسرائيلي، كان حزب الله يستعرض، للمرة الأولى في تاريخه، آليات عسكرية وصواريخ ومرابض مدفعية، ويجول بملالات عسكرية بين بلدات بقاعية، منها اللبوة والعين وغيرها من المناطق المتاخمة للحدود السورية.

هذا الإنفصام عن الواقع الفلسطيني ما كان ممكنا حين تعرّضت غزّة لعدوان إسرائيلي في العام 2008. يومها كانت الصحافة العربية والعالمية واللبنانية تسأل سؤالا واحدا: هل سيتدخّل حزب الله لفكّ الحصار عن غزّة؟ وهل سيفتح حزب الله جبهة شمال إسرائيل، جنوب لبنان، لتخفيف الضغط عن حلفائه في حركة “حماس” وعن الشعب الفلسطيني؟

اليوم يبدو هذا السؤال أشبه بمزحة. وحين توجّهنا به إلى عدد من المحللين السياسيين القريبين من حزب الله، كانت إجابة أحدهم: “شو بدّك حزب الله يفتح جبهة بالجنوب؟”. هكذا طرح الكاتب الصحافي القريب من حزب الله هذا السؤال كما لو أنّه “هجنة”. ولم ينتبه إلى أنّه، بقوله هذا، أكّد أنّ حزب الله ما عادت فلسطين من أولوياته، ولا عاد جنوب لبنان حتّى ضمن “منطقة عملياته”. ومن حيث لا يدري أكّد أنّ حزب الله بات، تقريبا بشكل نهائي، خارج الصراع العربي الإسرائيلي.

بالطبع ليست المرة اﻷولى التي يشن العدو اﻹسرائيلي قصفا عنيفا على قطاع غزّة، في ظل سكوت عربي ودولي عن ممارسات العدو اﻹسرائيلي، يستمر القصف على قطاع غزة لليوم الثالث على التوالي. سكوت عربي معتاد تخرقه بين الحين والآخر بعض بيانات الاستنكار التي بات يكتفي بها “الحكّام العرب”، وأضيف إليهم في السنوات الأخيرة النظامان السوري والإيراني. وباتت فلسطين “مناسبة للتضامن” ليس أكثر.

هذا التضامن العربي – الإيراني، الذي لا نجده إلا في بيانات الاستنكار والخطابات بات مألوفا وطبيعيا بالنسبة الى الشعب الفلسطيني. فيما يحتاج الفلسطينيون إلى السلاح لا الخطابات. وحتّى الخطابات باتت نادرة.

الجديد على “نادي المستنكرين” هو حزب الله الذي اكتفى بإصدار بيان استنكار طالب فيه بأوسع تضامن مع الشعب الفلسطيني وتقديم كل أشكال الدعم للشعب الفلسطيني.

هكذا بات واضحا أنّ أولوية حزب الله تغيّرت منذ انغماسه في الحرب السورية وأصبح هدفه كما يعلن دائما محاربة “اﻹرهاب اﻹسلامي”، الذي يرى كثيرون أنّه جزء منه، وأنّه، هو حزب الله، أحد أسباب نشوء “داعش” وتفشّيها في سوريا.

إذا فالحزب الذي كان يتباهي بخطاب الامين العام الذي هدّد ذات صيف حربي من تموز 2006 أنّه سيوصل الصواريخ “إلى حيفا وما بعد بعد حيفا”، بات اليوم يستعرض عضلاته في البقاع، في نقطة بعيدة عن فلسطين المحتلة، قلبا وقالبا ومكانا ومكانة.

وهذا الاستعراض في البقاع الشمالي للمرة الأولى، وهو ما يبدو رسالة إلى “عدوّ” حزب الله، الحالي، وهو التيارات اﻹسلامية المتطرفة التي استدرجها حزب الله حين دخل المستنقع السوري وتسبّب في مجيئها إلى لبنان.، أو هي رسالة قوّة يوجهها حزب الله الى جمهوره الشيعي، ليطمئنه بأن الحزب مازال قويا ويستطيع أن يحمي بيئته، وسط العواصف الإقليمية، خصوصا بعد إعلان زعيم “داعش” أبو بكر البغدادي نفسه “خليفة على المسلمين”.

لكن اﻷكيد أن هذا اﻹستعراض ليس موجها الى إسرائيل التي يحاربها حزب الله منذ عام 1982 وهذا دليل آخر على أن فلسطين لم تعد الأولوية بالنسبة لحزب الله وجمهوره الذي أصبح يردد اﻵن علنا “شو بدكن يعني حزب الله يفتح جبهة مع إسرائيل”.

هذا التغير في تعاطي حزب الله مع القضية الفلسطينية يبرره الصحافي قاسم قصير، المتابع لحزب الله بأن: “قسما كبيرا من الصواريخ التي يحارب بها الفلسطينيين هي مرسلة من حزب الله وايران وسوريا، وهي ليست المرة الولى اﻷولى التي تتعرّض غزّة لعدوان وحزب الله قدم ويقدم كل ما بإمكانه ليساعد غزة. والمعركة مازالت في بدايتها ولا نعرف ما هي الخطوات التي سيتبعها حزب الله”.

وأكد قصير أنّه “لا تزال أولوية حزب الله المقاومة والدفاع عن فلسطين بوجه إسرائيل. لكن الوقوف الى جانب سوريا بوجه اﻹرهاب ﻷن سوريا هي مركز السلاح الذي يصل الى فلسطين و تدريب المقاتلين للفلسطينيين الذين يحاربون إسرائيل، وقد ارسل حزب الله مقاتلين لمساعدة الشعب الفلسطيني الى العديد من الدول وقد عمل لايصال الاسلحة والامكانيات”.

وتعليقا على استعراض حزب الله في البقاع الشمالي أكد قصير أنّه “إستعراض لقوات عسكرية من حزب الله موجّه الى كل الجماعات اﻹسلامية المتطرفة التي هددت البقاع الشمالي”.

السابق
إسرائيل أوهن من بيت العنكبوت؟ ماذا عنّا؟
التالي
روماريو يطالب بسجن مسؤولي الاتحاد البرازيلي