خبراء المياه يعلنون حال الطوارئ و75% من الآبار في البقاع أصبحت جافة

يبدو أن المخاوف والتحذيرات التي أطلقتها وزارة الطاقة منذ وضعها الخطة العشرية عام 2000 من الاقدام على سنة جافة بامتياز، باتت اليوم أقرب الى الحقيقة مع انقطاع المياه عن عدد كبير من مناطق بيروت وجبل لبنان. والواقع ان هذه الكارثة المائية لم تشكل صدمة غير متوقعة بعد فصل شتاء جاف لم تتعدّ كمية المتساقطات فيه 400 ملم فيما المعدل العام للمتساقطات في بيروت هو 750 ملم سنويا. وبحسب احصاءات وزارة الطاقة والمياه، فان الحاجة الفعلية للمياه في سنة جافة طبيعية تبلغ 1480 مليار متر مكعب، في حين ان الكمية المؤمنة بوجود سدّي القرعون وشبروح تبلغ 1097 مليار متر مكعب ما يعني ان نسبة العجز المائي تبلغ 400 مليون متر مكعب هذه السنة.

هذا الانخفاض في مستوى المياه في سدّي القرعون وشبروح بعدما بلغ الحجم التخزيني أدنى مستوياته (59 مليون متر مكعب و3 ملايين متر مكعب)، شمل ايضا الينابيع والانهار والآبار الارتوازية اذ تراجع مستوى المياه في معظمها بنسبة 40%، ما دفع مؤسسات مياه لبنان الى برامج تقنين في معظم المناطق.
وبحسب المعطيات “تراجعت نسبة التغذية في بيروت الادارية الى 5 ساعات كل يومين مقارنة بـ8 ساعات قبل التقنين، ومن المتوقع حصول تقلص اضافي في توزيع المياه بسبب النقص الحاد في الموارد المائية، إلا أن وضع بعض المناطق في جبل لبنان خصوصا كسروان يعتبر افضل من بيروت، وذلك نتيجة حفر 5 آبار ضخمة تابعة لنهر ابرهيم بوشر استغلالها لضخ المياه الى منطقة ساحل كسروان”.
وكانت أعلنت مؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان ضمن جهودها لتخفيف وطأة الشح الاستثنائي هذه السنة عن 7 آبار جديدة تم وضع بئرين منها قيد العمل بحيث تؤمنان حوالى 10 آلاف متر مكعب، علما ان كلفة حفر الآبار تراوح بين 120 و500 الف دولار، والجزء الاكبر من التمويل يتم على شكل هبات خارجية.
إلا أن ما يطرح علامات استفهام هو ما يتحمله المواطن من أعباء مالية على عاتقه في ظل تقاعس الدولة عن توفير الخدمات، إذ أصبحت فاتورة المياه تتفرع الى ثلاث فواتير: بدل اشتراك سنوي لمؤسسات المياه، شراء المياه الحلوة، وسعر نقل المياه.
وتظهر أرقام مؤسسات المياه في لبنان ان قيمة بدل الاشتراك السنوي في المحافظات هي على الشكل الآتي: لبنان الشمالي (126000 ليرة للمتر الواحد)، بيروت وجبل لبنان (230000 ليرة للمتر)، البقاع (180000 ليرة للمتر)، الجنوب (216000 ليرة للمتر).
وفي هذا السياق، اشارت مصادر في وزارة الطاقة الى غياب آلية تضبط أسعار اصحاب صهاريج المياه، وهي تراوح بين 50 و150 الف ليرة لما يعادل عشرة براميل، لافتة الى مخالفة هؤلاء للقوانين من خلال قيامهم بحفر آبار غير مرخص لها وبالتالي استثمار المياه من دون دفع الرسوم.
وترجع المصادر سبب تراجع ساعات التغذية في المياه الى التقنين الكهربائي ايضا، بالاضافة الى ضعف توتر التيار الوارد الى محطات الضخ الذي يصل الى درجة توقف المضخات عن العمل خلال فترة التغذية اليومية.
أما عن تأثير اللجوء السوري على البنى التحتية ولا سيما قطاع المياه، تشير المعلومات إلى أن توافد اللاجئين ساهم في ارتفاع حجم الطلب بنسبة تزيد عن 20%، ما يفرض ارتقاب عجز كبير في تغطية الطلب، وذلك من خلال تشغيل وحدات الضخ لفترات طويلة، وهو أمر مرتبط بصلاحية الضخ المتفاوتة القدم. فعلى سبيل المثال، تقدر إحدى مؤسسات المياه حاجتها المالية بما لا يقل عن 4 مليارات و200 مليون ليرة وذلك من اجل استبدال حوالى 90 مجموعة ضخ وتزويد المحطات بمجموعات توليد كهربائية احتياطية وتأمين المازوت لتشغيل المولدات الحاليةط.
ما انعكاسات أزمة الجفاف على الزراعة؟
ان القطاع الزراعي هو القطاع الاكثر تضرراً بحسب ما أكد خبير علوم المياه والزراعة هادي طبارة لـ”النهار”، “اذ ان هذا القطاع يستهلك اكثر من 70% من مجموع المياه، لذلك تراجع كميات المتساقطات نتيجة التغير المناخي أثّر بشكل كبير على المزروعات وقضى على المواسم الزراعية”. وكشف ان 75% من الآبار الارتوازية في البقاع (على عمق 100 – 150 متراً) اصبحت جافة تماما، ما يشكل ازمة حقيقية في تأمين مياه الري، داعيا الى اعلان حالة الطوارىء لتدارك تداعيات الكارثة المائية قدر الامكان.
واوضح “ان الزراعات البعلية (الحبوب والقمح) هي المتضررة من هذه الازمة، وما حصل من تأخر الامطار في بداية موسم الخريف وندرتها في اشهر فصل الشتاء انعكس سلباً على انتاجيتها. كما ان الاشجار المثمرة تضررت، بفعل ارتفاع الحرارة خلال موسم الشتاء فوق المعدل السنوي، وازهرت معظم اشجار اللوزيات في وقت مبكر”.
واضاف “ان مزارعي البطاطا في البقاع، قد الحقت بهم خسائر فاضحة كون هذه الزراعة تحتاج الى كميات كبيرة من المياه في هذا الوقت، لافتاً الى ان اكثر من 50% من الموسم الحالي قضي عليه عملياً”. اما في ما خص الزراعات الصيفية في الموسم الثاني، فان عدم توافر كميات الامطار بشكلها المعتاد سيؤثر على المحاصيل ونوعيتها، ما يعني بحسب طبارة ان 20% فقط من الاراضي الزراعية في البقاع سوف يتم زرعها، كونها تروي من الآبار الجوفية. اما عن الحلول، فلفت طبارة الى ان البحث اليوم يتركز على ايجاد المصادر البديلة لري المزروعات منها اعتماد الزراعة الحافظة conservation agriculture التي تقوم بالاستغناء عن الفلاحة وبالتالي تساعد في توفير مياه الري وكلفة الزراعة كما تساهم في تخفيف انبعاثات الغازات الدفيئة وامتصاص ثاني اوكسيد الكربون، ما يحد من التغيير المناخي، واوضح ان هذه الزراعة تستهدف مزارعي الزيتون والاشجار المثمرة خصوصاً، داعياً الى اعتماد زرعة غطاء بديل عنا لحشائش الضارة بزراعة الباقية vetch.

السابق
هيفاء وهبي عروساً بفستان خيالي!
التالي
من يدعم داعش؟