بعد التطورات العراقية والفلسطينية: وحدة الموقف الاسلامي تمهد لحوار استراتيجي

قاسم قصير

تسارعت التطورات في العراق وفلسطين المحتلة خلال الايام القليلة الماضية ، فاعلان الخلافة الاسلامية من قبل تنظيم الدولة الاسلامية في العراق وبلاد الشام (داعش) دفع معظم القوى والهيئات والحركات الاسلامية على اختلاف انتماءاتها الفكرية والمذهبية ( وباستثناء بعض المجموعات السلفية الجهادية) الى التأكيد على رفض الاعلان عن الخلافة من قبل داعش واعتباره غير شرعي ولا يستند الى اي اسس واقعية او شرعية او عملية وانه يسيء لمفهوم الخلافة الاسلامية ودور القوى الاسلامية في المنطقة.

اما على الصعيد الفلسطيني و في ظل تصاعد العدوان الصهيوني على قطاع غزة وسقوط عشرات الشهداء والجرحى، فان معظم القوى والحركات الاسلامية والوطنية والقومية اعلنت وقوفها الى جانب الشعب الفلسطيني ودعت لدعم المقاومة ومواجهة العدوان الجديد.

اذن نحن امام مواقف اسلامية جديدة وشبه موحدة حول هذه الاحداث ، ومع ان القوى الاسلامية والقومية لا تزال مختلفة حول ملفات اخرى ولا سيما ما يجري في سوريا والعراق ودول اخرى ، فان توحد المواقف حول قضايا اخرى يؤكد ان هناك امكانية للتعاون حول قضايا وملفات معينة حتى لو كانت هناك خلافات في قضايا معينة ، وهذه القاعدة هي المعتمدة في العلاقات الدولية والسياسية على الصعيد العالمي، فالعديد من الدول تختلف فيما بينها حول بعض القضايا لكن ذلك لا يؤدي بها الى قطع العلاقات او عدم الحوار المباشر الا في حالات محدودة يتم قطع العلاقات الدبلوماسية او وقف الحوار ، بل انه حتى اثناء الحروب بين الدول نجد ان المفاوضات تعقد للتوصل الى حلول او وقف الحرب.

وعلى ضوء هذه القاعدة وفي ظل التطورات المتسارعة في العراق وفلسطين اصبح لزاما على القوى والحركات الاسلامية والقومية واليسارية اعادة النظر بمواقفها وكيفية مقاربة التطورات الجارية والبحث عن نقاط التلاقي وكيفية العمل لمواجهة المخاطر المستجدة، وقد شهدت العاصمة اللبنانية (بيروت) خلال الاسبوعين الماضيين لقاءات معلنة وغير معلنة بين مجموعات اسلامية متنوعة وكان هناك حوارا معمقا حول كل التطورات، كما شهدت بيروت انعقاد المؤتمر القومي العربي بحضور حشد متنوع من الشخصيات القومية والاسلامية وتم اطلاق وثيقة ملتقى الاديان والثقافات للتنمية والحوار وشارك في مؤتمر الاطلاق احزاب وحركات اسلامية وقومية ويسارية وجمعيات اسلامية متنوعة، وقد دعت رئاسة الشؤون الدينية التركية الى عقد مؤتمر لعلماء المسلمين بين 17 و19 تموز (يوليو) الجاري بهدف اصدار وثيقة من العلماء لدعم الحوار ورفض العنف ومواجهة التطرف وسيشارك في المؤتمر عشرات العلماء من مختلف الدول العربية والاسلامية.

كل ذلك يؤكد ان منطق الحوار والتواصل يتقدم على منطق القطيعة والاختلاف ، وفلسطين كانت دائما تجمع الامة وتوحدها في مختلف الظروف ، فكيف اذا اضيفت عليها تطورات خطيرة في دول المنطقة تنذر بمخطار كبرى واشد خطورة مما حصل بعد سقوط الخلافة العثمانية وقيام الكيان الصهيوني في النصف الاول من القرن الماضي.

ويجب ان يكون الحوار صريحا وشفافا وعميقا وبعيد عن الحسابات والمصالح الضيقة ، كما يجب الاعتراف بالاخطاء التي حصلت منذ الاحتلال الاميركي للعراق وبعد الثورات العربية الشعبية ولا سيما في ظل ما يجري في سوريا ومصر، وعلى ضوء ذلك يجب اعادة تحديد الاولويات والمصالح المشتركة بين القوى الاسلامية نفسها وبينها وبين القوى القومية واليسارية والليبرالية، وان اي خطة عمل تتطلب تقديم التنازلات المتبادلة والبحث عن تسويات لصالح شعوب المنطقة ودولها وليس لصالح الاعداء.

وكما نعلم فان اميركا والكيان الصهيوني يعقدان بين فترة واخرى ما يسمونه “حوار استراتيجي” للبحث بالمخاطر المشتركة وكيفية مواجهتها وتجاوز الاختلافات، فالا يحق لنا اليوم ان ندعو الى حوار استراتيجي اسلامي-اسلامي واسلامي- قومي لمواجهة المخاطر الكبرى ام سنسقط مرة اخرى كما سقطت الامة بعد انتهاء الخلافة العثمانية وقيام الكيان الصهيوني وان كانت المخاطر ستكون اليوم اقسى واقوى واشد وستدفع المنطقة نحو حرب كبرى لا افق لها.

السابق
إسرائيل تمطر غزة بالمتفجرات.. وعباس يحذر من أيام صعبة
التالي
وثائق النازحين: الضغوط الدولية مستمرة وتنصّل لبناني