الجفاف يهدد لبنان والقطاع الزراعي الاكثر تضررا

أزمة الجفاف وما تبعها من تغييرات في نظام التوزع المائي بسبب الاحتباس الحراري الذي حذر العالم من عواقبه ودعا الى التحضير لمواجهة كوارثه المستقبلية، وصلت الى حد التهديد بفقدان المياه وفرض جغرافية مائية جديدة.

في لبنان، بلد الطقس المعتدل، المخاوف كبيرة من مخاطر الجفاف ومما سيتأتى من عوامل مناخية وبيئية لم يعتدها اللبنانيون في الحقبات الزمنية الماضية. موسم شتاء لبنان هذا العام كانت “كوانينه” مشمسة ونادرة الامطار، ولم تشعل في آذار “الفحمات الكبار” رغم ان نسبة الامطار المتساقطة في أواخره لم تتجاوز نصف المعدل السنوي، وبات على الدولة ان تبحث عن حلول لهذا الواقع، وخصوصا ترشيد استخدام المياه كي لا نقع في المحظور والمجهول الذي لا ينفعنا عند حدوثه اي مأمول.

اما الامطار الصيفية غير العادية، جراء تغيير المناخ وانعكاساته السلبية، فيتوقع ان تنهك المواسم الزراعية كالقمح واشجار الزيتون والاشجار المثمرة والافات المرضية التي تقع عليها.

صولي
رئيس مصلحة الزراعة في الجنوب الخبير المهندس حسن صولي عرض المشكلة وانعكاسها السلبي على كل ما له علاقة بالمياه والنبات والتربة. وأشار الى ان لبنان وحتى الامس القريب كان يعتبر من اقل بلدان الشرق الاوسط فقرا بالمياه، فقد كان معدل مياهه السنوي يتجاوز بفعل تساقط الامطار 800 مليون متر مكعب ما يساعد في الحفاظ على اكثر من 2000 ينبوع خلال موسم الجفاف الذي يمتد سبعة اشهر. الا ان هذا المنسوب بدأ يتراجع بطريقة تطرح علامات استفهام حول مستقبل لبنان المائي. ومع تراجع نسبة هطول الامطار المتلاحقة سنويا وتوزعها على مدار العام وصلت الى حدود الخطر خلال السنتين الماضيتين والانذار في هذا العام.

وأوضح ان كميات المياه الجوفية سجلت تراجعا بنسبة كبيرة بلغت ثلث الكمية التي كانت تخزن العام الماضي. وقال: “استنادا لدراسات علمية وخبراء في هذا المجال فان عدد الايام الممطرة قد تقلص من 90 الى 80 يوما في السنة في منطقة المتوسط قبل 20 عاما والى 70 يوما في السنة في ايامنا هذه مقابل ارتفاع شدة هطول الامطار من جهة اخرى”، مؤكدا “ان تراجع نسبة تساقط الثلوج سنويا وانخفاض كثافتها سيؤدي الى تناقص في كمية المياه التي تتجمع بفعل ذوبانها”.

وأعلن “ان تناقص منسوب المياه بفعل قلة تساقط الامطار والثلوج سيؤثر على الثروة المائية، وهذا وضع مخيف، ولبنان بدأ هذا العام يتأثر بالتغيير المناخي الذي سيترافق مع ارتفاع درجات الحرارة عاما بعد عام ويتبعه ارتفاع في نسبة تبخر المياه الجوفية والمتساقطة، وفي المقابل يتزايد الطلب على المياه بسبب شدة الحر، ما سيوصلنا الى صحراء حقيقية قبل منتصف القرن الحالي، بحيث لن تنحصر التأثيرات بندرة المياه بل ستمتد الى الزراعة والامن الغذائي وسيشهد لبنان ارتفاعا حادا باسعار المياه والغذاء في آن، والفقراء هم اكثر المتضررين”.

وأشار الى “ان لبنان سيفتقر في المستقبل الى فصوله الاربعة التي تميزه عن غيره من الدول بفعل اصابته بعوارض التبدل المناخي، وقال: “هناك دراسات تفيد ان تغييرا بسقوط الامطار وارتفاع الحرارة سيحدث بمعدل 2 الى 4 درجات اذا ما استمر ارتفاع ثاني اوكسيد الكربون، ومن سلبيات هذا الارتفاع الحراري ذوبان الثلوج التي تغذي الينابيع والانهار في فصلي الربيع والصيف الذي يتصاحب مع ارتفاع الحاجة الى الماء، فتذوب الثلوج المغذية لمعظم الانهار ولا سيما نهري الليطاني والعاصي ما يسبب انجراف التربة والفيضانات الكبيرة التي تذهب بكميات كبيرة من المياه هدرا وضررا بشكل لا يتيح للارض ابتلاعها والاستفادة منها، وهذه المشكلة المائية تستدعي وضع خطة مدروسة لمواجهتها مع تزايد الحاجة اليومية للاستهلاك المائي”.

وأكد صولي “ان القطاع الزراعي هو الاكثر تضررا من ازمة الجفاف يليه الامن الغذائي، لافتا الى ان بوادر الازمة اخذت تظهر في الجنوب عبر تساقط حبوب الزيتون ويباس شتول الخضار قبل نضوجها. وقال: “منذ عشرين عاما، كان المزارع يستطيع الحصول على المياه من الابار على عمق عشرة امتار، اما اليوم فغالبا ما يصل عمق الابار الى 40 وكحد اقصى الى 100 متر، وبالتالي فان “التراجع الكبير بنسبة المياه سيرتد سوءا على العديد من القطاعات الانتاجية الزراعية التي ترتكز على المياه الجوفية للري في مواسم الصيف”.

واوضح “ان اول الزراعات المتضررة من هذه الازمة، هي الحبوب والقمح. وما حصل من تأخر الامطار في بداية موسم الخريف وندرتها في اشهر فصل الشتاء انعكس سلبا على انتاجيتها. كما ان الاشجار المثمرة تضررت، بفعل ارتفاع الحرارة خلال موسم الشتاء فوق المعدل السنوي، وأزهرت معظم اشجار اللوزيات في وقت مبكر. اما في ما خص الزراعات الصيفية الاخرى، فان عدم توفر كميات الامطار بشكلها المعتاد سيؤثر على المحاصيل ونوعيتها وجودة انتاجها”.

وقال صولي: “اذا ما استمرت ظاهرة انحباس الامطار سيضطر المزارعون الى زيادة منسوب مياه الري، الامر الذي سيؤدي الى ارتفاع التكاليف وانخفاض في الانتاج الزراعي واصابة المزروعات بأمراض فطرية وجرثومية ووبائية الى جانب انخفاض منسوب المياه الجوفية وتضرر الزراعات البعلية”.

وأعلن “ان الآثار الصحية الخطيرة والمتمثلة بالامراض والافات النباتية التي يمكن ان تصيب محيطنا البيئي بسبب الجفاف وقلة الامطار ستحدث خللا في الوظائف الفيزيولوجية للافات الحشرية المضادة وسيتبعه قصور في دورة حياتها وتزايد اعدادها بسرعة كبيرة، مثال على ذلك آفة صانعة انفاق البندورة ( توتاابسلوتا ) والتي ظهرت خلال العام الماضي كما الحالي وأدت الى خسائر فادحة، وستضرب ايضا اشجار حمضيات الساحل الجنوبي آفة ( التربس) وقد انتشرت هذه الحشرة على نباتات الزينة وخصوصا الغاردينيا ولاول مرة على اشجار التوت الابيض الشامي والاحمر”.

واشار الى “ان زخات المطر التي هطلت بين الحين والاخر أدت الى تزايد حشرة المن على الخضار ونباتات الزينة والاشجار المثمرة وأشجار الزيتون التي اصيبت بمرض عين الطاووس كذلك انتشرت فطريات اخرى على جذورها الى جانب اشجار الدراق والنكتارين التي ضربتها امراض فطرية كالرمد وتجعد اوراق الدراق.

وطرح الدكتور صولي عددا من الحلول للحفاظ على ثروتنا المائية المتبقية وتجنيب بيئتنا قدر الامكان كوارث لا تحمد عقباها، على الشكل الآتي:

– اقامة البرك والسدود لتخزين المياه والاستفادة منها.
– مراقبة استخدام المياه الجوفية والشفة والزراعة والصناعة وتنظيمها.
– اقامة محطات لتكرير للمياه المبتذلة التي يمكن استخدامها في ري المزروعات.
– زيادة المساحات الخضراء.
– الحفاظ على التنوع البيولوجي الذي يؤمن الحفاظ على التوازن البيئي وبالتالي على نظافة البيئة وسلامة العيش.
– تفعيل دور الشباب والمنظمات العاملة في مجال البيئة والقيام بحملات تشجير.
– اعتماد زراعات مقاومة للجفاف وتتلاءم مع التغيير المناخي في لبنان.

وفي مجال مساعدة المزارعين، اشار الى ان على وزارة الزراعة ان تعمل بشكل دوري على:
1- تأمين الفرمونات اللازمة لمصائد دودة ثمار البندورة وتوزيعها على المزارعين.
2- تأمين مادة (Delfin ) وهو عبارة عن مبيد بيولوجي لمكافحة دودة ثمار البندورة.
3- تأمين الزيوت المعدنية والمصائد الفرمونية لمكافحة حشرات الحمضيات.
4- تأمين مادة الجنزارة والمصائد الفرمونية لامراض وحشرات الزيتون.

وأكد ان على الوزارة متابعة مراحل هذه الخطوات بشكل منتظم للمعالجة في التوقيت المناسب.

السابق
العثور على جثة الدكتور حسن هاشم في الحدث
التالي
إسرائيل تمطر غزة بالمتفجرات.. وعباس يحذر من أيام صعبة