إسرائيل أوهن من بيت العنكبوت؟ ماذا عنّا؟

في كل مرة نعيد التجربة بكل شيء نفسه، لكن ننتظر نتيجة مختلفة! ألا يعتبر هذا قمّة الحمق وقمة التخلف؟ الأوان آن للقول إنّ الشعب الفلسطيني المظلوم هو حتما على حق وقضيته محقة الا أن احقية وصوابية القضية لا تشكل عامل مؤثر في انجاز اي نصر، فأن تكون على حق هذا لا يعني ان النصر هو حليفك. المفتاح السحري اليوم هو النظام السياسي القائم على أساس الديمقراطية، وهنا فقط يكمن سر قوة إسرائيل وسر ضعفنا.

منذ كنا صغارا ونحن نسمع عن زوال إسرائيل من الوجود، وأنها لن تتمكن من الحياة طويلاً في قلب عالمنا العربي الرافض أصلا لفكرة قيامها. وبنظرة سريعة على واقع الحال، نشاهد كيف ان لبنان لا زال يتخبط، وقد قُسم السودان ودُمرت سوريا، والعراق يتفتت، اليمن يشتعل، وليبيا تتمزق، أفغانستان مهترئة، باكستان مريضة، مصر تشحذ ودول الخليج مشغولة بكروشها. هذا كلّه يحدث فيما إسرائيل هذه تتربع على عرش اقوى خامس جيش في العالم واقوى قوة إقليمية تعربد في المنطقة من دون رقيب او حسيب.
وفي خضم هذا المعطى المؤلم والمحزن تأتي احداث غزة وما يرافقها من اعتداءات صهيونية عليها، وتعلن حركة حماس حربها غير المتكافئة تحت مسمى الحق الطبيعي في مقاومة الاحتلال وما يترتب عن ذلك من خسائر ضخمة في الجانب الفلسطيني إن بالارواح او بالممتلكات، في مقابل خسائر تكاد لا تذكر عند الجانب الإسرائيلي.
فاذا ما كان صحيحا أنّ ما يجري الآن في غزة قد يعيد الحديث عن فلسطين او ما تبقى من بريقها الى واجهة الاحداث في العالم العربي، فإنّ الصحيح أيضا أن حجم التضحيات وحجم الآلام التي يعيشها الشعب الفلسطيني هو اكبر بكثير من أي إيجابية ممكنة. والمحزن أكثر في هذا السياق هو عودة الأصوات “المقاومجية” الخاوية التي لم تجلب لنا طيلة مراحل الصراع مع العدو الا الهزائم تلوى الهزائم، حتى أن الانتصار الوحيد الذي تحقق والذي كان ليشكل بصيص امل ليبنى عليه، سرعان ما تهاوى واذرته رياح المصالح الضيقة وخطفته عواصف المذهبية المقيتة.
واكثر ما يزعج في هذا المجال وفي هذه العودة هو تكرار التجارب نفسها بالآليات نفسها والأدوات نفسها وللادبيات نفسها والاعلام نفسه والقصائد نفسها والخطب نفسها والبندقية نفسها والصاروخ نفسه والدم نفسه والشهداء نفسهم والدمار نفسه والهواء نفسه والشجر نفسه، وفي كل مرة نعيد التجربة بكل شيء نفسه، لكن ننتظر نتيجة مختلفة! ألا يعتبر هذا قمّة الحمق وقمة التخلف؟
واحدة من هذه الادوات المتخّلفة والتي تعتبر سبب من أسباب هزيمتنا المستمرة منذ عقود هي ما سيقال عن مثل هذه المقالات الانتقادية بأنّها من المحرمات وبأنّها تصب في خدمة العدو على منوال القاعدة العفنة بأن لا صوت يعلو فوق صوت المعركة.
لكن الأوان آن للقول، في الأوقات كلها، إنّ الشعب الفلسطيني المظلوم هو حتما على حق وقضيته محقة الا أن احقية وصوابية القضية لا تشكل عامل مؤثر في انجاز اي نصر، فأن تكون على حق هذا لا يعني ان النصر هو حليفك، وان تكون على حق فهذا لا يعني انك لن تُهزم.
وعلى الشعب الفلسطيني بداية، وكل الشعوب العربية بداية أيضا، ان يتوقفوا مليا عند حقيقة بديهية تعلمتها كل الشعوب الأخرى على الأرض بما تشكل من مفتاح ضروري ووحيد للدخول الى عالم القوة، وبالتالي الى إمكانية تحقيق انتصار حقيقي، وأنّ من دونه (المفتاح) محكوم على الدول و الشعوب حتما بالوهن والضعف وبالتالي بالهزيمة المسترة مهما امتلكت من ترسانة عسكرية ومن جيوش جرارة. هذا المفتاح السحري اليوم هو النظام السياسي القائم على أساس الديمقراطية، وهنا فقط يكمن سر قوة إسرائيل وهنا أيضا يكمن سر ضعف ووهن امتنا العربية والإسلامية.
ومن هنا وحتى قيام الديمقراطيات الممنوعة عن المنطقة، على عكس كل أنواع التسلح، فإنّ أي حرب او أي معركة لا تهدف الى انشاء نظام ديمقراطي هي حتما معركة لن تصبّ الا في بحر هزائمنا المتلاطم، وقبل ان نتفنن في اطلاق توصيفات خطابية عن إسرائيل وضعفها وجبنها وبأنّها اوهن من بيت العنكبوت، تعالوا نبكي على حالنا.

السابق
إستشهاد الصحافي حامد شهاب في غزة
التالي
غزّة تُقصَف، حزب الله يستعرض بالبقاع.. ويستنكر