صيد الخنازير في العرقوب صار مهنة

نظراً لكثرة أعدادها الآتية من فلسطين المحتلة إلى الجنوب اللبناني، تتزايد عمليات صيد الخنازير، خصوصاً في منطقة العرقوب، حيث تحوّلت شيئاً فشيئاً إلى مهنة يمارسها بعض أبناء هذه المنطقة. وحول هذا الأمر هنا تحقيق، مع ابن مزرعة حلتا علي حسن شبلي الذي يمارس وأولاده هذه المهنة بالمشاركة مع أشخاص أرمن، من خارج هذه المنطقة، منذ سنوات عدة: وقال شبلي عن سبب اهتمامه بهذه المهنة إنه: “لا يعرف السبب إلاَّ من يعيش هذه الأمور على حقيقتها”.

وقال في هذا الاطار، لا بد من الاشارة أن منطقتنا محاذية للجولان السوري، وأراضينا هي امتداد لفلسطين المحتلة، وأن الأعداد الكبيرة من الخنازير تخرج من الأراضي المحتلة لتدخل أرضنا، ومن المستحيل التصدي لها عند خروجها حيث ليس بالأمر السهل، وفي الوقت عينه غير مسموح لنا الوصول حتى للقسم المحتل من أراضينا، فكيف يمكننا الوصول الى تلك المناطق، فهذا من جهة، أما عن سؤالك في مسألة تجنيد أبنائي في مهنة صيد الخنازير وان كنا نمارسها لكسب العيش هذا الأنطباع خاطيء، فكما سبق وذكرت لقد دخلت إلى المنطقة أعداد كبيرة من الخنازير منذ العام 1978، وازداد اعدادها كثيراً، حيث الولادة لدى أنثى الخنزير تزيد عن الخمسة جِراء. وأحياناً كثيرة كنا نشاهد أثناء عملنا في أراضينا قطيعاً الخنازير ووراء كل أنثى أكثر من ثمانية جراء، وإن هذا الحيوان تكاثر في منطقتنا منذ الاحتلال الاسرائيلي للجنوب عام 1978، وحتى ما قبل هذا التاريخ، حيث الثغرات التي يخرج منها من داخل الكيان المحتل هي كثيرة، ويختبيء في الغابات والمغاور. وينطلق عادة بعد المغيب قطعاناً. ولا يمكننا وضع حد لدخوله أراضينا، فارتأينا أن الحل الوحيد للتقليل من أعداده على أرضنا هو الصيد. حيث إنها الوسيلة الأنجع لمكافحة هذا الحيوان الضار والمخرب، إن هذا الحيوان يكسر الشجرة ليأكل الثمر. فلم نجد نحن وابناء المزرعة حلاً. لذلك تجد الاجماع لكافة المزارعين بأن الوسيلة الوحيدة هي التعاون على صيده لأن وضع السم له محرم كما أنه في ديانتنا الإسلامية محرّم أكله، لذلك ليس هناك من طريقة أخرى للقضاء عليه إلا بالصيد بهدف بيعه، حتى لا نصطاده ونتركه يتعفّن وتأكل منه الحيوانات الأخرى، مثل الذئاب والضباع والثعالب، والغربان والنسور. وقد عرفنا بأن له سوقاً نبيعه فيه، وقد حددوا لنا ثمن الخنزير الصغير 100 دولار والكبير 200 دولار. وهذه المسألة ساعدت المزارعين والصيادين في المنطقة، لكي نعمل جميعاً على صيده وبيعه للتقليل من أعداده، حيث أن التقليل من أعداده، هو بمثابة تقليل للأضرار التي يسببها لنا، بقاؤه حياً. فكما تعلمون إن المحرك الرئيس لصمودنا بأرضنا هو الزراعة.

 

وهل استطعتم التقليل من أعداده اذا كان الجواب بنعم فكيف حصل ذلك؟

أولاً أريد أن أشير هنا إلى أن المئات من الخنازير نفقت بواسطة الألغام والقنابل العنقودية التي زرعتها اسرائيل في منطقتنا، خلال حربها على لبنان عام 2006. وهذا البساط من الألغام يمتد من حدود مزرعة (حلتا) التابعة لكفر شوبا ومتصل بمزارع شبعا المتاخمة للجولان السوري المحتل. وأضاف شبلي: بأن القنابل العنقودية لا زالت تحتل جزءاً كبير من أراضينا والدولة لم تعمل بعد على إزالتها بالكامل. وكما يقول المثل: ربّا ضارة نافعة، حيث عدم ازالة الدولة لهذه القنابل نهائياً ساعد كثيراً في عملية قتل الخنازير. فمنذ العام 2006 مئات الالغام انفجرت تحت أقدام الخنازير، وأهالي المزرعة عندما يسمعون صوت الانفجار، يخرجون من بيوتهم للتنصت، فإن سمعوا صوت أحد من الرعاة أو المزارعين مصاب يهبون لنجدته، ويستكمل شبلي حديثه قائلاً: إن الكثير من أراضينا لم يدخلها أصحابها منذ العام 2006 فأصبحت تشكل أرضاً عذرية ونمت فيها الغابات وأصبحت هي المأوى الشاسع للخنازير والتي أكلها المفضل الخضار على أنواعها والفواكه من الثمر، مثل العنب والتين والخوخ والاجاص، إضافة إلى الصحارى التي يدخلها الخنزير ويحرثها كما تحرث الأرض، وعندما تمتليء بطون الخنازير تستلقي على الأرض، وتبدأ في التمرغ بالتراب الناعم في الأماكن الجافة. ولقد دفع اهالي المزرعة أثماناً غالية نتيجة تلف صحاريهم ومزروعاتهم من القمح والذرة والحمص والعدس.
هل يمكن أن تحدثنا عن كيفية دخول أولادك غمار هذا الصيد؟ وهل لصيد الخنازير قواعد وشروط وما هي؟
بداية نتجنب المغامرات، مع مجموعات الخنازير خلال عملية الصيد، لأنه في حال كانت إصابة الخنزير خفيفة يمكن أن يقتل الصياد وبالأخص إن كانت الخنزيرة تجر وراءها جراها، لكن مجمل معاركنا في صيد الخنازير ولا مرة كانت خاسرة . لقد شكلت كثرة منابع المياه وخصوبة الأرض الشهوة لتدفق الآف الخنازير الى المنطقة. وأنا بصفتي مزارعاً وراعياً، حيث أملك قطيعاً من الماعز والغنم وبما أن حياة العائلة في منطقتنا مترابطة فيما بينها، فإن أولادي يشاركونني العمل في رعي الماشية وأصبحوا “مثلي” (يعرفون كل حكر ووكر في المنطقة) وإن المواشي من الغنم والماعز كما تعلم يلزمها حركة دائمة للرعي ومجمل الايام التي أخرج فيها لصيد الخنازير يرافقني أولادي رغم حداثة سنهم. أن ابني الأكبر لم يبلغ بعد سن التاسعة عشرة من العمر وأذكر لكم بأن أولادي من أكبرهم حتى أصغرهم أصبحوا أقوى مني في صيد الخنازير. كذلك في صيد الطيور. وكما يقول المثل الشعبي (فرخ البط عوام).

هل يمكن أن تحكي لنا عن سبب معرفتك بصائدي الخنازير من الأرمن؟ علماً أننا التقينا بعدد منهم وسألناهم عن طبيعة العلاقة معكم ولماذا اختاروا من هذه المنطقة بيتكم بالذات: فكان ردهم انهم لا يجيدون التحدث باللغة العربية.

تعرفت على ساكو وزوجته لويزا بعد التحرير عام 2000، أتوا الى المزرعة لصيد السُمّن، وقمت بالمبادرة وعزمتهم على القهوة، هكذا كانت البداية، ومنذ ذلك التاريخ أصبحوا يترددون إلى عندنا كل أسبوع، فتوطدت العلاقة معهم بأمانة الصداقة، ومن خلال هذه العلاقة، التي يمكن أدراجها ضمن خانة المصلحة المشتركة، فقد عرفوني بدورهم على أشخاص آخرين من الأرمن، وكرت سبحة الأيام والسنين بيننا فصرت استقبل في بيتي عدداً لا بأس به من الأرمن، وغير الارمن، من بيروت وصيدا، وكلهم من صيادوا طير السمّن والفري وغيره من الطيور، خلال الصيف. هذا إضافة الى صيادي مجدل عنجر، حيث ارتباطنا معهم تأسس على المشاركة في صيد الخنازير فقط. وبما أن منزلي كان لا يتسع للاقامة لهذا العدد الكبير من الصيادين، عملت مؤخراً على تشييد منزل لولدي في منطقة (الحرف) حتى يتسنى لنا استقبال أكبر عدد من الصيادين.

هل يمكن أن تحدثنا عن كيفية صيده وهل يخضع لأي رقابة؟

لا وجود لأي رقابة، عندما نتربص لصيد الخنزير ليلاً، على مداخل الصحارى أو منابع المياه نحاول أن تكون اصابته في العنق، وهذا يكون حسب التحكم. فعلى الصياد أن لا يقوم بأي حركة خلال نصب الكمين لهذا الحيوان فنحن ندرك بعد اصابته الكاملة بكل حبات خرطوش (الحواش) أن حياته أصبحت لدقائق معدودة. فكل شيء له ثمن، ومن ثم نعمل على تفريغ معدته، ونشير هنا اننا خلال عملية التربص لصيده، من الامور التي نعمل على تجنبها بأن يكون تركيزنا على اصابته بعيداً عن الوجه، لكي لا تكون اصابته قاتلة على الفور. وأن حصل وقتل على الفور نسرع وهو في الحراك بذبحه، ونعمل على تفريغ معدته. وهنا نترك الأمر للشاري حيث أننا نقوم بابلاغه في كل ما نعمل. وأوضح شبلي قائلاً: إن مجمل صيدنا من الخنازير التي نصطادها منذ العام 2000 كان بمشاركة صيادين من الأرمن مثل ساكو وزوجته لويزا وصياد آخر اسمه نازريان. وإن هؤلاء كانوا ولا زالوا الركيزة الأساسية لنا في مسألة بيع الخنازير في مجدل عنجر، وغيرها من المناطق. وأضاف: لا افشي سرّاً فكل أبناء المزرعة يعملون مثلنا.

السابق
خنقت طفلها ونشرت صورته على فيسبوك
التالي
كبارة: نرفض التوقيفات العشوائية وللتعاطي مع الموقوفين وفق القانون