البرازيل: شعوذة كروية

التفسير الكروي للتاريخ لا يقود إلا الى استنتاج وحيد:
ثمة ساحر،مشعوذ برازيلي، معارض لاستضافة بلاده كأس العالم لكرة القدم العام 2014 ، قرر ان يستخدم اقصى طاقته في الشعوذة، فلجأ الى آلهته وقرابينه متوسلا ان تحل اللعنة على فريقه، وتلحق به اهانة لا تمحى مدى العمر، لينتقم من اولئك الذين تحدوا فقراء البرازيل ومشرديها عندما مضوا قدموا في تنظيم ذلك الحدث الرياضي الباذخ والمترف ..
ليس هناك تفسير آخر لتلك الهزيمة التاريخية المشينة التي لحقت بالبرازيل وحطمت اسطورة قديمة تناقلتها الاجيال على مدى عقود عن الكرة البرازيلية التي استولت على تراث اوروبي عريق واستحقت في بعض المراحل بريقا عالميا فريدا، حتى صارت اللعبة جزءا من الهوية الوطنية للبرازيليين، هوايتهم الثانية بعد الرقص، علمهم الثاني الذي يرتفع في كل المناسبات وفي كل مكان. والاهم من ذلك رياضتهم التي نسبت دائما الى فقراء البرازيل ومعوزي العالم كله.. كما لو ان لاعبي الفرق الاوروبية والافريقية والاسيوية ومشجعيهم هم من طبقة النبلاء والارستقراطيين!
في دقائق، ومن دون مقدمات توحي بتلك الكارثة الوطنية، سوى الاصابة التي حلت باللاعب البرازيلي نيمار واخرجته من الملعب الى المستشفى، والتي يبدو الان انها كانت الانذار الاول من ذلك المشعوذ المناهض لتنظيم الكأس، انتهت صناعة كاملة، دخل فيها المال والسياسة والاعلام والاعلان اكثر من اي وقت مضى. ولم يبق للبرازيل سوى ان تبحث عن رياضة أخرى، عن هواية مختلفة، عن غواية جديدة.. عن خدعة تعيد الى تلك اللعبة الاكثر شعبية بعضا من دورها، وتبقي ذلك الجمهور العريض، الذي كاد ينهار بالامس، قريبا من الكرة وملاعبها الخضراء.
قال المشعوذ البرازيلي كلمته الحاسمة، فأبت الكرة طوال 90 دقيقة ان تدخل المرمى الالماني سوى مرة واحدة وفي غفلة منه على الارجح، وأصرت على ان تظل تهز بعنف شباك المرمى المقابل سبع مرات متتالية. والعدد هنا ليس صدفة في عرف السحرة والعرافين كما يشاع . ثمة من عقد النية والعزم، وتوكل على ادواته الخفية، ونال الرقم الذي طلبه بالتحديد.. ولعله خرج بعد المباراة ليحتفل مع “الارواح الشريرة” التي اطلقها في الملعب، بذلك الفوز العظيم.. بذلك الثأر القديم.
كان السحر أقوى من كل ما عداه. وكانت اللعنة أشد من ان تطرد. من الان فصاعدا يمكن ان تتحول ملاعب الكرة البرازيلية الى حدائق للاطفال، ويمكن ان يصير اللاعبون مسخرة المراهقين، ويمكن ان يكتفي الكبار بفنون الرقص التي لا مجال فيها للمنافسة مع المشعوذين، بل فقط للمتعة مع الالهة على اختلاف انواعها، وللرغبة الدفينة في طرد الارواح الشريرة وإعادتها الى مكانها الاصلي في غابات الامازون.
انها نهاية الحلم بان تظل كرة القدم البرازيلية حاضنة لمشروع عالمي دفعه بعض الجمهور غير البرازيلي ( اللبناني والعربي والعالم ثالثي ) الى حدود الخيال، القاصر أصلا عن فهم مغزى اللعبة والمنافسة وكأس العالم بالذات: ان يخرج المشاهد بعد المباراة الى الملاعب، يركض، يركل ، يستعيد الحياة ويستحقها، لا ان يجلس في صالون او مقهى لكي يمارس طقوسا هي اقرب الى الشعوذة منها الى الرياضة.. او يقف بعيدا عن الشاشات ، ناقما على ذلك الجمهور الذي أغفل بالامس مثلا مأساة غزة (على ما روى بعض المقاومين والممانعين)، مع ان الغزاويين أنفسهم ربما تابعوا المباراة أكثر مما تابعوا أخبار العدوان الاسرائيلي وصوره. او لعلهم فقط انزووا بعيدا عن أهوال الحرب، وهو ما ساهم ربما في تقليص عدد شهدائهم وجرحاحهم في تلك الدقائق التسعين الحرجة من التاريخ الكروي السحري.

السابق
العودة إلى «الخلافة»: الطوائف تنتصر على «الدولة» المستولدة قسراً
التالي
مجلس النواب باق حتى خريف 2016