عن يومياتنا العربية: لقد ألِفنا الجحيم فعلاً

لم تعد القمة العربية تعقد اجتماعات طارئة، ولا وزراء خارجيات العرب يقمن بتحركات دبلوماسية شكلية للتضامن مع غزة أو سوريا. حتى الناشطون في لبنان مثلاً، لم يعودوا يقيمون اعتصامات تضامن ليحضرها ثلاثون أو أربعون مشارك. ربما لأنّ "الدني شوب" و"صيام"؟

عندما كنت طالبة في المدرسة، أذكر أنّ بيت شعر، بمعنى أنّ الإنسان قد يألف الجحيم وتصبح النار الّتي يخافها أشبه بمنزله، جعلني أفكّر لساعات في معنى مثل هذا القول. لا أذكر الشاعر ولا كلمات بيت الشعر حرفياً. عندها، فكرت أن الإنسان قد يكسر معنى الجحيم التقليدي عبر التآلف معه والاستئناس به، في ما يدل على قوة وصلابة رهيبة. فكّرت أيضاً أنّ تلك قد تكون قمة اليأس والاستسلام الأكبر: أن نظن أنّنا لا نستحق غير الجحيم.

أفكّر بهذا القول دائماً. ورغم نعمة محرّك “غوغل”، لم أجد القصيدة. وجدت أدلة يومية على الجحيم حين يصبح العرف السائد. وجدت أيضاً أنّ ردّة فعل الإنسان الأولى، أي عند إلقائه في الجحيم، ستكون أشد وأشرس عن ردات فعله في المحطات اللاحقة. سيصبح أقل غضباً وأكثر ضعفاً.

ننظر اليوم إلى ما يحدث في العراق وسوريا وحالياً فلسطين. نرى أنّ الصمت بات يكبر. كانت ردود الفعل تجاه الاحتلال والاضطهاد والقتل في العالم العربي أشرس وأقوى، وإن كانت غير مجدية. الناشطون عبر “الفايسبوك” و”التويتر” منهمكون بالـ”المونديال”. الناس في أماكن أخرى تعيش حالة انفصال عن الواقع. خبر “غزة” الرابع أو الخامس في نشرات الأخبار الرئيسية. “مقتل 9 فلسطينيين”، جملة عادية تمر مرور الكرام.

حتى بعدما أظهر التشريح الذي جرى في معهد أبو كبير الإسرائيلي، بمشاركة طبيب من معهد الطب العدلي الفلسطيني، أن أبو خضير الفلسطيني (16 عاماً) أحرق وهو حي، لم نسمع أيّ ردود فعل. وربما الوحيد الّذي اتصل بـوالد أبو خضير “معزياً” هو رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو. لم يكلّف أي مسؤول عربي نفسه عناء مكالمة هاتفية لوالد الشهيد.

لم تعد القمة العربية تعقد اجتماعات طارئة، ولا وزراء خارجيات العرب يقمن بتحركات دبلوماسية شكلية للتضامن مع غزة أو سوريا. حتى الناشطون في لبنان مثلاً، لم يعودوا يقيمون اعتصامات تضامن ليحضرها ثلاثون أو أربعون مشارك. ربما لأنّ “الدني شوب” و”صيام”؟

لم تعد صور أطفال سوريين كحمزة الخطيب تتناقل عبر شبكات التواصل الاجتماعي. صارت الموضة الحالية “داعش” و”ابوبكر البغدادي”. ليس القتل ما توقف. إنّه مستمر. ربما غضبنا فقط تحول إلى استكانة. القتل يطال الأحياء أيضاً. لقد كان الشعر محقاً: قد يألف المرء فعلاً الجحيم.

السابق
بلال مواس: من كان معذورا بالإفطار فليستتر.. لا ينفجر
التالي
القضاء يدعي على 28 ’داعشياً’