بماذا تختلف استراتيجية «داعش» عن «القاعدة»؟

بماذا تختلف استراتيجية داعش عن القاعدة استند الكاتب البريطاني أليستر كروك إلى كتاب نشره شخص استخدم اسم أبو بكر ناجي، وحمل عنوان “إدارة التوحش”، الذي يشرح فيه فكر واستراتيجية تنظيم “القاعدة”، ليقارن بين الأخير وبين تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام “داعش” وما يحققه في سعيه لتعزيز “الخلافة”.

واختار كروك عنوان “إدارة توحش داعش في العراق” لمقالته التي نشرها في صحيفة “هافينغتون بوست”، والتي ذكر فيها ان ثمة أحداثاً مذهلة في العراق والعالم الإسلامي، فيما تسجل سيطرة بسرعة البرق على “الأراضي السنية” في سوريا والعراق. ولفت إلى انه فيما أذهلت قسوة الاستراتيجية العسكرية التي يتبعها تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” (داعش)، وحفزت حماسة الشبان المسلمين السنة في كل مكان، فحظيت بإعجاب الكثيرين، إلا انها أثارت في الوقت عينه حالة من الخوف والذعر.

حلم الامبراطورية وأضاف كروك إن ثمة مزيجاً من الخوف والشعور بالبهجة من ان الأحداث تعكس بطريقة ما تمدد الإمبراطورية الإسلامية، التي تخلف أرضاً خصبة، وذكر ان شعور السنة بأنهم “ضحية” يترك مختلف أنحاء الشرق الأوسط وأفريقيا في وضع هشّ جداً، أمام حماسة “داعش” الجماعية الجديدة، مشدداً على ان “داعش” ليس تنظيم “القاعدة”، ولا تابعاً له، فبعد القليل من التودد بين الطرفين، وقف تنظيم الدولة الإسلامية في معارضة مباشرة “للقاعدة”، الذي يرى ان تحركه خاطئ. ولفت كروك إلى ان زعيم “القاعدة” الراحل أسامة بن لادن وجد انه من الضروي أن يبقى المسلمون موحدين، وكانت الحرب موجهة ضد “عدو بعيد” من خلال أعمال عالمية تقوم على مبدأ “الصدمة والرعب”، فيما أشار إلى ان “الزرقاوية”، في إشارة إلى أبو مصعب الزرقاوي، والتي تستخدم لتحديد إيديولوجية “داعش”، نمت من جذور مختلفة، وقامت من شعور السنة بخسارة السلطة والامتيازات وامتلاك الدولة والحقوق المزعومة، ومن الرغبة العميقة بالانتقام من “المغتصبين”، وهي متجذرة في التعصب: كراهية الآخر وخصوصاً الشيعة وإيران.

وذكر كروك ان “الزرقاوية”، تجذرت في العراق في حرب ساخنة، وتأسست في إطار الصراع الطائفي المرير، وفي إذلال السنة، وبعدها نقل مقاتلون سنّة من سوريا حاربوا في العراق “فكرة” الزرقاوي إلى مناطق حمص وحماة النائية. وأضاف إن أكثر ما ميز عقيدة الزرقاوي كان تشرّب وهابية غير متسامحة تريد تنقية، بقوة السيف، الإسلام “المحرّف”، وفي عملية تطهير كهذه لا بد من إعادة بناء الشريعة والدولة الإسلامية. بين “القاعدة” و”الزرقاوية” واعتبر كروك أنّ ما يميز الزرقاوي عن “القاعدة” هما عنصران، الأول هو رفض جذري لقبول البُنى التاريخية التقليدية حول كيفية تشكل الدولة الإسلامية. ففيما تتبنى الزرقاوية “التزام” الوهابية فهي تنفصل عنها بطريقة ثورية من خلال إنكار أية شرعية للسعودية بصفتها مؤسسة دولة، أو رأس المسجد، أو مفسرة القرآن، وهي أمور ينسبها “داعش” إليه ويعتبر نفسه الدولة، في ما يعد دحضاً تاماً لكل أوجه السلطة السنية الزمنية والدينية. وتابع ان “داعش” يصفّي فهمه للسياسة المعاصرة من خلال منظور الهجرة النبوية من مكة المكرمة، وصراعه مع المكيين، ومن خلال قراءة التنظيم لطرق الحرب العنيفة التي اتبعها الخليفة الأول، أبو بكر. واعتبر كروك ان إيران باتت “العدو البعيد”، بعدما كانت أميركا هي هذا العدو، مشيراً إلى ان “داعش” لا تسمي العدو لكن قادة الخليج يوضحون ذلك عندما يقولون للغربيين ان كل الأمور ستحل، وسيعود السلام إلى الشرق الأوسط، في حال أزيل كل من الرئيس السوري بشار الأسد، ورئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، من الحكم. وقسم كروك استراتيجية “داعش” إلى 3 مراحل، المرحلة الأولى كانت عمليات الضم وتشتيت قوة العدو وتوفير الموارد، فيما يقع العراق وشرق سوريا في المرحلة الثانية، مرحلة “إدارة التوحش”، التي يقول أبو بكر ناجي في كتابه “أخطر مرحلة تمر بها الأمة”، في عملية تعزيز الخلافة التي تشكل المرحلة الثالثة.

وأوضح ان هذا يعني ان الفوضى ستستمر وان العنف سيسود في العراق وشرق سوريا فيما تتنقل السلطة بين الحكم “القديم” والخلف المقبل، أي الدولة الإسلامية. وتوقع أن يكون لـ”داعش” أهداف محددة في هذه المرحلة الثانية، وهي تحقيق أمن داخلي والحفاظ عليه، وترتيب حدوده وإطعام الشعب، وإقامة الشريعة والعدالة الإسلامية، والأهم هو ترتيب أسس “مجتمع مجاهد”. وذكر انه بحسب “إدارة التوحش”، سيتطلب الأمن التخلص من الجواسيس وقمع المنافقين، مضيفاً ان أية خطوة باتجاه بغداد، وهي خطوة يصر “داعش” على أنها آتية لا محالة، لن تكون كبيرة بل لا بد من الانتظار إلى أن تصبح المنطقة التي سيطر عليها التنظيم آمنة، وحدودها تحت السيطرة. وقال كروك ان هذه المرحلة ستشمل “نهب الموارد المالية”، وسيعمل “داعش” على أن يتمتع باكتفاء مالي ذاتي، من خلال السيطرة على حقول النفط ومستودعات الأسلحة.

وأضاف ان هذه المرحلة تؤشر إلى بدء “ذبح العدو وإثارة ذعره”، مشيراً إلى أن أبو بكر ناجي يذكر بوضوح في أطروحته ان لا مكان للين، الذي يعد عنصراً للفشل. مركزية العنف وذكر كروك ان العنصر الثاني الذي يميز الزرقاوي عن “القاعدة” هو القناعة بأنه لا بد من اللجوء إلى العنف القوي قبل أن تتماسك بشدة القوة الإسلامية، لأن هذا يحقق هدفاً محدداً وهو إثارة خوف كبير للتأثير سلبياً على نفسية الناس. ولفت إلى ان “داعش” يركز حتى الآن على زيادة الضغوط على الناس من خلال السعي للسيطرة على موارد الوقود والمياه، مشيراً إلى ان هدف التنظيم العلني في بغداد، كما في سوريا، هو كما يذكر أبو بكر ناجي “استقطاب السكان”، أي جر الجماعات إلى المعركة، فتقف جماعة في صف أصحاب الحق وجماعة أخرى في صف أصحاب الباطل، في حين تقف جماعة ثالثة على الحياد بانتظار نتيجة المعركة حتى تنضم إلى المنتصر.

ويضيف ناجي انه “لا بد من جذب تعاطف هذه الجماعة الأخيرة والأمل بأن ينتصر أصحاب الإيمان، خصوصاً ان لهذه المجموعة دوراً حاسماً قي مراحل تالية من المعركة الحالية. وجر الجموع إلى المعركة يتطلب تحركاً أكبر سيلهب المعارضة ويجعل الناس يخوضون المعارك، سواء رغبوا بذلك او لم يرغبوا، فيذهب كل فرد ليقف مع الطرف الذي يدعمه”.

ورجح كروك ان هذه هي الاستراتيجية التي تواجه حكومة العراق، حيث ينشغل المالكي بحشد جيش شيعي ضخم، معتبراً ان رئيس الوزراء العراقي سيسعى في البداية لوقف تقدم “داعش” من خلال إلحاق هزيمة عسكرية به، وسيأمل بكسر تعويذة التنظيم السحرية على الكثير من السنة الذين ذهلوا بتقدمه الجريء في العراق. هل تصطدم ايران مع “داعش”؟ ورأى كروك ان نجاح دفاع المالكي أو فشله سيكون نقطة محورية في مسألة الاستقطاب، فالكثير من القوة والضحايا المدنيون والأسلحة الثقيلة سيساهم في استقطاب الشعوب السنية لمصلحة “داعش”، ولكن القليل من ذلك قد يساهم في زيادة سمعة التنظيم أكثر فأكثر، إلى جانب خطر تحول النزاع إلى نزاع سني ـ شيعي، وهو أمر ستحث إيران المالكي على تفاديه، لافتاً إلى ان إيران لا تريد التدخل مباشرة في القتال، بل ستسعى للاستمرار في تقديم دعم ونصائح للعراق.

وإذ أشار إلى ان “داعش” أعلن الحرب في لبنان، توقع أن تشكل نجاحاته مصدر إلهام للشبان في العالم المسلم، وختم بالقول ان أمور كثيرة تعتمد على نتائج أحداث العراق. يشار إلى ان أبو بكر ناجي، قصد من استخدام كلمة “توحش”، الحالة من الفوضى التي ستدب في أوصال دولة ما أو منطقة بعينها إذا ما زالت عنها قبضة السلطات الحاكمة. ويعتقد المؤلف ان هذه الحالة من الفوضى ستكون “متوحشة” وسيعاني منها السكان المحليون، لذلك وجب على “القاعدة”، التي ستحل محل السلطات الحاكمة تمهيدا لإقامة الدولة الإسلامية، أن يحسن “إدارة التوحش” إلى أن تستقر الأمور.

السابق
‘السفير’: تركيا وقطر تحضران لعمل امني دعما ل’داعش’ في لبنان
التالي
قطار قانون ’الستين’ ينطلق