الخليفة الذي لم تدركه الموصل

كاد أنّ يمرّ يوم الجمعة الماضي عادياً في الموصل؛ فهواجس السكان وأحاديثهم، باتت تتعلق بالقصف العشوائي لطائرات الحكومة، ومتابعة الأوضاع الميدانية، والتطورات السياسية في البلاد. كما أضيف إلى همومهم، أزمات معيشيّة مستجدة، كقطع حكومة بغداد للرواتب والأجور عن موظفي المدينة التاريخية، ضمن إجراء عقابي كيدي. كما أن أزمة الوقود الحادة التي تعصف بالموصل منذ أيام، قصرت الحركة على بعض سيارات النقل العمومي، التي تضاعفت أجورها. مما دفع المصلّين إلى قصد المساجد القريبة منهم، سيراً على الأقدام، لأداء صلاة الجمعة.

ولم يلحظ الموصليون أي حدث غير عادي في المدينة. وجهل معظمهم، أن ولي أمرهم خليفة المسلمين وأمير المؤمنين أبا بكر البغدادي، يهمّ للخطبة بهم في جامع المدينة الكبير للمرة الأولى. ولم يخبرهم أحد بذلك، فلم يتوافدوا أفواجاً من كل الأنحاء ليلتقوا خليفتهم ويسألونه الأحوال، ويطمئنّوا من ولي أمرهم على مستقبل بلادهم ومعيشتهم وأمنهم.

عرف معظم الأهالي بما حدث في اليوم التالي، عبر شاشات التلفزة، التي جعلت من ظهور الخليفة العنوان الرئيسي لأخبارها. الظهور كان عبر تسجيل ممنتج نشر على موقع “يوتيوب”. ويظهر فيه البغدادي، وهو يعتلي المنبر، ليلقي خطبة بلاغية مقتبسة من التاريخ، ويؤم بمجموعة صغيرة من المدنيين والمسلحين، غُطيت وجوههم بواسطة المونتاج. لينتهي التسجيل بمشهد لحرم الجامع الفارغ، وللمئذنة التاريخية الشهيرة بالحدباء. وكان تنظيم الدولة قد حاول مؤخراً فرض سيطرته على منطقة الجامع الكبير، واستخدم المسجد كمقر لعناصره حيث يصلون فيه، وفي رمضان أصبح الجامع مقراً لاجتماعاتهم. علماً بأن المسجد ومحيطه، من الأماكن التي تحميها اللجان الثورية. فالتنظيم يحاول فرض وجوده الصوري في الأحياء التي لا يسيطر عليها؛ من خلال تسيير دوريات تجوب الشوارع، ورفع أعلامه على أعمدة الإنارة والجسور. مستغلاً تجنب بقية القوى المسلحة في المدينة، لأي صدام ممكن جراء استبدال راية “الإسلام” أو إزالتها. وهو ما يعطي انطباعاً بأن التنظيم يسيطر على معظم أحياء الموصل.

أحد عناصر “اللجان الثورية” في المدينة أبو ليث الجبوري، أكد لـ”المدن” بأن معظم الموصليين لم يعرفوا شيئاً، إلا من يسكن بالقرب من شارع المنصة الذي يشهد والأحياء القريبة منه تواجداً لتنظيم الدولة. وقد أضحى الشارع مكاناً رئيسياً لمعظم استعراضات التنظيم وأنشطتهم العلنية. قبل صلاة الجمعة بساعة تقريباً، تحرك موكب البغدادي المكون من سيارات دفع رباعي، وسيارات بيك آب عليها رشاشات أحادية، يتقدمها عناصر يمتطون خيولاً ويحملون أعلام التنظيم. وتوجه إلى جامع النور الكبير في الساحل الأيمن من المدينة، حيث جرت خطبة الجمعة. واللافت أن الصلاة لم تكن مفتوحة للعامة، والمصلين تمّ انتقاؤهم من قبل التنظيم، كما يؤكد أبو ليث.

أحد الناشطين في “الشبكة الإعلامية للربيع العراقي”، قال لـ”المدن” بإن تنظيم الدولة لا يتواجد في أكثر من 80 بالمائة من أحياء الموصل، إلا عبر الدوريات المتنقلة. وإن من يتولى تنظيم أمور السير، وحماية معظم المؤسسات، هم اللجان الثورية المكونة من أهالي الموصل وعشائرها، بالإضافة إلى مقاتلي جيش الطريقة النقشبندية والبعثيين، ممن لم يغيبوا عن الموصل، بشكل سري. اما عناصر التنظيم فهم غير قادرين على التواجد بكل الأحياء، كون أعدادهم لا تسمح لهم بذلك، وخاصة بعد أن ذهب منهم الكثيرون إلى تكريت لإحداث تواجد لهم هناك.

يجمع الكثير من الآراء من الموصل، على أن الحديث عن “خليفة” فيها، يحكم ويطاع هو أمر مبالغ به. فالبغدادي ليس سوى زعيم تنظيم مسلح في نظر معظم السكان، حتى ولو استطاع جذب عدد من الشباب المتطرف، أو فرض طرقه في الأحياء التي يسيطر عليها، أو حتى ظهوره كخليفة يؤم المؤمنين في صلاة الجمعة.

السابق
العميد جزائري: اميركا تدير مركز قيادة الحرب الارهابية في العراق
التالي
إيران تفاوض معاذ الخطيب لترؤس حكومة جديدة في سورية