البيت يشتعل

يشغل التحقيق في اغتيال محمد أبو خضير الشاباك بالضبط كالتحقيق في قتل الثلاثة من غوش عتسيون، وفق تعهدات قادة المؤسسة الأمنية أمام قادة أجهزة الأمن الفلسطينية. ولا شك في إسرائيل في أن دافع القتل قومي، ولذلك هناك أفضلية عليا للتحـقيق حتى لا تقتل الخلية الدموية ضحية أخرى. وفي لقاء مع القادة الأمنيين الفلسطينـيين عرضـت نتائج التحقيق حتى الآن، واتفق على التعاون. وطوال الوقت شاركت في الاتصالات، سرا، جهات أردنية تخشى على استقرار السلطة الفلسطينية. بالتوازي نقل في الوقت نفسه مسؤول مصري كبير رسائل من حماس، تحدثت صراحة عن طلب حماس وقف أعمال الجيش الإسرائيلي وأنها تعمل على منع الإطلاقات من قطاع غزة. وكانت هذه لحظة الذروة في الوساطة المصرية التي بدأت منتصف الأسبـوع وشملـت لقـاءات شـاذة جدا بين مسؤولين إسرائيليين ومسؤولين أمنيين مصريين. ووافقت إسرائيل على منح مصر تفويضا بإعادة «تفاهمات عمود السحاب» للمنطقة في مقابل العمل ـ على الأقل حاليا – بشكل معتدل جـدا في القـطاع حـتى إذا استمرت الإطلاقات. فإسرائيل تفهم أن حماس، بضعفها، يتعذر جدا عليها فرض سطوتها.

بالإجمال هذه هي صورة الوضع اليوم: اللهيب خفت قليلا، لكن رجال الإطفاء بعيدون عن إعلان وقف النار. عدا المتطرفين من الجانبين، كل الضالعين يريدون العودة إلى مربع ما قبل أربعة أسابيع، ولا أحد يريد فوضى انتفاضة ثالثة أو حربا في غزة تجر داخلها الجبهة الداخلية الإسرائيلية. كل الزعماء: نتنياهو، مشعل وأبو مازن خائفون من مواجهة مسلحة تفكك الترتيبات القائمة: حماس يمكن أن تخسر السيطرة في غزة، السلطة قد تفقد السيطرة في رام الله، وحكومة إسرائيل قد تتفكك جراء تورط عسكري.
واللهيب الذي اندلع في غلاف القدس إثر اغتيال الصبي خف في اليوم الأخير، لكن النار انزلقت إلى داخل الخط الأخضر، وأشعلت قرى ومدنا في المثلث وانتشرت في وادي عارة. وتأمل المؤسسة الأمنية باحتواء موجة الاحتجاج خلال أيام معدودة، لكن هناك خشية من تسرب الجمر من القدس إلى مدن الضفة الكبيرة. هناك لإسرائيل تأثير وقدرة تدخل أقل مما في قلنسوة وباقة الغربية.
وفي غزة بعد انضمام حماس في منتصف الأسبوع لإطلاق الصواريخ تبين في مستهل الوساطة المصرية أن لا فارق جوهريا بين مقاربتي إسرائيل وحماس، وتقررت خطوط لوقف النار على أساس تفاهمات «عمود السحاب». وأوضحت حماس أنها معنية بوقف النار، لكنها واجهت صعوبة في فرضه، لذلك منحتها إسرائيل ـ بتدخل مصري ـ مهلة أطول من السابق وردت بـ«سياسة ضبط نفس» رغم استمرار الإطلاقات. لكن هذا لم يمنع حماس من العودة لإطلاق الصواريخ يوم الخيميس. وحتى بعد الإطلاقات على بئر السبع، المنسوبة لحماس، لم تتخذ إسرائيل قرارا بتحطيم الأواني. نعم للرد، لكن حتى الآن لا للمواجهة الشاملة. مثل حماس، إسرائيل تتطلع لوقف النار.
المصريون، من جانبهم، تعهـدوا لإسـرائيل بأن لا يبدوا مرونة تخـرج عن الاتفاقيات القائمة: مصر غير مستعدة لفتح معبر رفح وليست مستعدة لاستئناف نشاط القوة متعددة الجنسيات في المعبر. لكن مجرد وجود وساطة مصرية أمر يعيد النضارة لوجه حماس، الغارقة في إخفاقاتها ـ مر وقت طويل على آخر مرة وافق فيها مسؤول مصري على الجلوس معها.
والتبرير المركزي الإسرائيلي لضبط النفس تجاه غزة هو الخوف من الفراغ الذي سينشأ في القطاع في اليوم التالي. وأجهزة الأمن الإسرائيلية تشك في احتمال أن تبقى حماس، بصورتها الحالية، في الحكم بعد توجيه ضربة عسكرية شديدة لها، وهناك خوف أن البديل هم الجهاد العالمي. حينها لا مفر من عودة إسرائيل للقطاع، مع كل ما يعنيه ذلك.
والمسافة بين الوضع الراهن ووضع مواجهة مسلحة شاملة لا عودة عنها هي نصف ساعة، وهي الفترة المطلوبة للمؤسسة الأمنية لاتخاذ قرار بإدخال عدة فرق إلى قطاع غزة أو الهجوم بشكل مكثف من الجو لعدة أيام أو هي الخياران معا. الخطة موجودة، والقوات مستعدة للتنفيذ. ما ينقص هو القرار.

أليكس فيشمان

«يديعوت»، 6-7-2014

السابق
رغم العقوبات: شركة أميركية تستثمر مليار دولار في إيران
التالي
نتنياهو يخاف انتفاضة ثالثة

تابعوا اهم اخبارنا على تطبيق الوتساب

يقدّم موقع جنوبية مواضيع خاصّة وحصرية، تتضمن صوراً ووثائق وأخباراً من مصادر موثوقة ومتنوّعة تتراوح بين السياسة والمجتمع والاقتصاد والأمن والفن والترفيه والثقافة.

مجموعة جنوبية على الوتساب