ما الجديد الذي طرأ على قراءة مهدي عامل للطائفية؟

مهدي عامل
فسّر مهدي عامل النظام الطائفي، لكن هل اكتمل التفسير؟ ألم يتخط الزمن تفسيره؟ صحيح أن الواقع اللبناني هو ذاته، كما تركه مهدي بالضبط، مع بعض التغييرات في توزيع الصلاحيات التي فرضتها تسوية "اتّفاق الطائف"، لكن المحيط يشهد تغييرات عنيفة، يبدو أنّها ستتجلّى في أحد مظاهرها "لبننة" لا مهرب منها. إذاً، ما الجديد الذي طرأ على ما قدّمه مهدي؟ أو بمعنى آخر: ما الذي لم يأخذه مهدي في حسبانه وهو يناقش المسألة الطائفية؟

فسّر مهدي عامل النظام الطائفي، لكن هل اكتمل التفسير؟ ألم يتخط الزمن تفسيره؟ صحيح أن الواقع اللبناني هو ذاته، كما تركه مهدي بالضبط، مع بعض التغييرات في توزيع الصلاحيات التي فرضتها تسوية “اتّفاق الطائف”، لكن المحيط يشهد تغييرات عنيفة، يبدو أنّها ستتجلّى في أحد مظاهرها “لبننة” لا مهرب منها. إذاً، ما الجديد الذي طرأ على ما قدّمه مهدي؟ أو بمعنى آخر: ما الذي لم يأخذه مهدي في حسبانه وهو يناقش المسألة الطائفية؟

 

واجه الواقع اللبناني مبكراً المشكلة الطائفية، التي سترمي بظلالها فيما بعد على محيطها، في واقع متخلّف، تسببت في تعميقه أنظمة تبعية. ما كان للتاريخ أن يأخذ طريقاً آخر غير الطريق الذي سارت فيه. هذا ما فرضته ضرورة التشوّه التاريخي على بلداننا، بغض النظرعن أيديولوجية أي نظام هنا أو هناك. فالأيديولوجيا، لم تكن بالنسبة لهذه الأنظمة سوى الغطاء الذي تغطي به موبقاتها، سواء تبنّت الفكر القومي، أو الديني، أو الوطني، أو الليبرالي، أو الطائفي على غرار لبنان. وميزة النظام اللبناني، صراحته. فهو نظام محاصصة طائفية علني، أفرز فيما أفرز، حراكا ثقافيا طائفيا يدافع عن تأبّد سلطة الطوائف في نظام وصف “بالفريد”… وحراكا آخر مضادا، رافضا لهيمنة الطوائف، بما هي علاقة سياسية، في ظل نظام يعمل على تأبيد حكم “البرجوازية الكولونيالية” بتمويه سيطرتها بمحاصصة طائفية خادعة.
أنتج هذا الحراك مجموعة من المفكرين كان أبرزهم المفكر الماركسي الراحل مهدي عامل، الذي أنجز العديد من الدراسات والأبحاث حاولت فهم الواقع الطائفي، في ظل نظام الإنتاج الكولونيالي.
لم يتغيّر شيء، منذ استشهاد مهدي عامل. مازالت المسألة الطائفية ملحّة في مجتمعات غير محصّنة، محكومة من أنظمة عمّمت وعياً، كان بحسب قناعاتها، كفيلاً بتثبيت وتأبيد سيطرتها، إلى أن فاجأها التاريخ بجديده. وجديده ثورة، يبدو الحد الفاصل فيها، على ضآلته التي لا تظهر للعين المجرّدة، فاصلا غير قاطع. كأن تثور على نظام، تحمل مفاهيمه نفسها، هو ذاته مأزقه الذي لا عودة عنه، بمعنى: بأي فكر تواجه النظام؟ بماذا تتمايز عن النظام؟ ما الجديد الذي ستقدّمه الثورة إن توفّرت شروط انتصارها؟
فسّر مهدي عامل النظام الطائفي، لكن هل اكتمل التفسير؟ ألَم يتخط الزمن تفسيره؟
صحيح أن الواقع اللبناني هو ذاته، كما تركه مهدي بالضبط، مع بعض التغييرات في توزيع الصلاحيات التي فرضتها تسوية “اتّفاق الطائف”، لكن المحيط يشهد تغييرات عنيفة، يبدو أنّها ستتجلّى في أحد مظاهرها “لبننة” لا مهرب منها. إذاً، ما الجديد الذي طرأ على ما قدّمه مهدي؟ أو بمعنى آخر: ما الذي لم يأخذه مهدي في حسبانه وهو يناقش المسألة الطائفية؟
إعتبر مهدي عامل أن الطوائف “ليست طوائف إلا بالدولة، والدولة هي التي تؤمّن ديمومة الحركة في إعادة إنتاج الطوائف كيانات سياسية هي، بالدولة وحدها، مؤسّسات”. والكلام هنا في غاية الدقّة، بمعنى ليست المسألة مسألة انتاج، بل “إعادة إنتاج الطوائف”. وهذا يعني استقراء للمستقبل الذي حمل في طيّاته بالفعل “اتفاق الطائف” الذي أعاد إنتاج الطوائف، والتي هي ليست سوى (أي الطائفة): “علاقة سياسية محدّدة بشكل تاريخي محدّد من حركة الصراع الطبقي”.
لكن الصراع الطبقي بتطوره واحتدامه، جاء بالجديد الذي لم يُفكَّر بعد: كيف تكون الطوائف موجودة كمؤسّسات خارج إطار الدولة؟
مع أن مهدي يشترط اقترانها بالدولة لتكتسب جدارة وجودها كمؤسّسة! هذا جديد التاريخ، يطرحه لإعادة انتاج المعرفة. بمعنى: كيف يمكن لنظام كولونيالي، مستأثر بالسلطة بشكل مطلق، أن يهرب من مأزقه الحتمي، وقد باتت تطرح بإلحاح مسألة تقسيم البلاد، على أسس طائفية، بعدما فقد سيطرته على أجزاء كبيرة منها؟ وهذا الطرح لمسألة التقسيم – سواء نجح أو فشل –ليس سوى نتاج سياساته طوال فترة حكمه.
هنالك فارق بين ممارسات طائفية مستترة، غير مقوننة (من قانون)، وبين أن توصل هذه الممارسات إلى تطييف المجتمع بشكل “قانوني” معترف به، يأتي كحل سيء لمشكلة أسوأ. هذه الممارسات الطائفية المستترة، وهي نهج النظام السوري (كما المصري أواخر فترة حكم حسني مبارك، عندما لجأت أجهزة أمنه إلى تفجير الكنائس مثلاً) الذي بدأ يتوضّح في حربه على شعبه أكثر فأكثر، هي المرحلة الأكثر تعقيداً على المستوى النظري، لأنها المدخل الذي على أساسه تتحدّد المآلات والنتائج لهذا الصراع.
في الخلاصة، فهم المسألة الطائفية انطلاقاً ممّا انتهى عنده مهدي عامل، ضرورة ملحّة، لكنها على أهميتها، تبقى مسألة فهم، تتشابه في ايجابيتها تماماً، بسلبية النظام، ما لم تقترن بقدرتها على استنتاج الخلاصات المقنعة لقوى التغيير الثوري الحقيقية، أي للشعب صاحب الكلمة الفصل في تحديد مصيره.

السابق
مصادر مقرّبة من السيد علي فضل الله: لا مشكلات مع حركة وحزب الله
التالي
حزب الله ينقذ نفسه: ضرب السنّة بالسنّة