«باب الحارة» المفتوح على تاريخ موصد

بدء العمل لتحضير مسلسل باب الحارة 6

“باب الحارة” مجدداً… العمل في جزئه السادس يبدو مثيراً للتساؤل: هل لا تزال الفكرة تتحمل البناء فوقها؟‬ ‪‬ في ‪الموسم الحالي يبدو المسلسل قضية قائمة بذاتها‬.

على المشاهد أن يرصد الشخصيات التي أمكنها الإستمرار على امتداد ستة من الأجزاء، وأن يتذكر تلك التي طواها الزمن الدرامي، إضافة إلى مثيله الواقعي، وأن يجيب بعد ذلك عن السؤال: ألا يزال باب الحارة يحتفظ بنصيبه من الألق، ويمتلك، بالتالي، حظه من المشروعية؟ الحارة تبدو شاحبة… هي غير تلك التي كانت صاخبة ذات مواسم سابقة. الشخصيات محاطة بإرباك واضح: يتعين على المستجدة منها أن تجتاز امتحان الحلول محل سابقاتها، ان تقيم صلة موازية مع المشاهد. البديهي أنّ أمراً كهذا يبقى متعذراً من دون تواطؤ مضمر من هذا المشاهد. الشخصيات المخضرمة أيضاً معنية بأن تضيف جديداً إلى الكثير مما سبقت مقاربته.
على المستوى الدرامي، ليست المهمة أقلّ صعوبة: مسلسل تاريخي عن بلاد تتقطع صلاتها مع جذورها، ينحسر فيها الماضي امام مأسوية الحاضر وضبابية المستقبل. البديهي حينها أن يأتي صوت التاريخ خجولاً خفيضاً. تصاب الحكاية بما يشبه البكم، وتفقد القدرة على الإقناع. ما يصعب المهمة على النص هو الإسقاط الواقعي للأحداث، أن أمراً مماثلاً لا يسعه أن يكون محايداً. لا يمكنه إلا أن يثير حفيظة متابعين، ليحظى بقبول سواهم… يصير المسلسل بين أيدي مشاهديه بدلاً من أن يكون أمام عيونهم. ‬
‪تشير الحلقات الأولى من المسلسل إلى محاولة لترميز الحاضر اعتماداً على معطيات ماضية. الحارة مهددة من داخلها، أيدي الشر تمتدّ إلى المصالح المشتركة لأبنائها (فرن أبو بشير نموذجاً). الرد المنطقي، أن يتكاتف الناس، رغم اختلافاتهم، في مواجهة الخطر المصيري. أيضاً ثمة فراغ تشهده زعامة الحارة التي لم يحسم أمرها، وكشأن أيّ فراغ، يتنوع الطامحون إلى سده بين مستحق ومستغل ومشتبه بأهدافه. منذ حلقاته الأولى يبدو المسلسل أمام مهمة صعبة، الأرجح أنه لن يكون بوسعه الحفاظ على نكهته المتفردة. لم تعد الظروف مشابهة لما كانت عليه في البداية حيث المكان، محاطاً بعبق وحداني، يحرض على الإنسجام، وحيث الناس محكومون وملتزمون بشروط الوداعة والتسامح. رغما عنه يدخل العمل في سجال يعوزه الإجماع. لعلها ورطة النجاح التي تستدعي الاستمرار وإن في ظروف غير ملائمة، وقد يجد أصحاب العمل أنفسهم أمام خلاصة قاسية: في زمن انحسار التاريخ وانكفاء سلطته، من الأفضل إبقاء أبواب التاريخ موصدة!

السابق
عدالة صماء بكماء
التالي
هازار: أرفض مقارنتي بـ«ميسي»