«طابق 99»: فلسطيني ومسيحية يستعيدان الحرب الاهلية في نيويورك

صدرت حديثًا عن منشورات ضفاف ودار الاختلاف، رواية "طابق 99" للكاتبة اللبنانية جنى فواز الحسن، التى وصلت روايتها "أنا وهى والأخريات" إلى القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية المعروفة بـ"البوكر" لعام 2013.

صدرت حديثًا عن منشورات ضفاف ودار الاختلاف، رواية “طابق 99” للكاتبة اللبنانية جنى فواز الحسن، التى وصلت روايتها “أنا وهى والأخريات” إلى القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية المعروفة بـ”البوكر” لعام 2013.
وتنتمي رواية “طابق 99” إلى أدب الحرب، لتقدم تحديداً ذيول الحرب الأهلية اللّبنانية من منظور حداثي. تمتد أحداث الرواية بين لحظة مفصلية في مجزرة صبرا وشاتيلا أيلول 1982 ونيويوك عام 2000 ويستند السرد المتعدد الأصوات إلى أسلوب تيار الوعي. يقع “مجد”، الشاب الفلسطيني الذي يحمل ندبة المجزرة في جسده بحب “هيلدا” المسيحية المتحدرة من عائلة إقطاعية تمتعت بنفوذ اليمين المسيحي أثناء الحرب.
يبدأ الصراع حين تقرر الفتاة، التي تتعلم وتمتهن الرقص في نيويورك، العودة إلى قريتها في جبل لبنان لإعادة إكتشاف ماضيها. بين تصوّره للعدو القديم وخوفه من خسارتها، يجد “مجد” نفسه أيضاً مضطراً إلى استعادة أحداث مؤلمة أودت بحياة والدته وجنينها، وحولت والده من أستاذ في “الأونروا” إلى فدائي، وبعدها بائع ورد في حي “هارلم” الشهير في أميركا.
من مكتبه الواقع في الطابق 99 في أحد مباني “نيويورك”، تبدو هوية “مجد” الفلسطينية ملتبسة، خصوصاً كونه ولد في الشتات ولم يمتلك يوماً تجربة حية في موطنه الأصلي. تضع أحداث الرواية جيل ما بعد الحرب في مواجهة مع أسلافه لطرح الأسئلة حول جدوى المعارك القديمة، وإن كانت قد انتهت فعلاً، وتأملات حول مقدرة الحب على تطهير الأحقاد والعداوات.
تستعيد الرواية المواجهة بين الفلسطينين واليمين المسيحي، لتخرج الضحايا القدامى من الجانبين من قبو “العم جورج” وتضع الذكرة في مواجهة ذاتها. لا تحاول الرواية الإدانة او إطلاق الأحكام بل إظهار عبثية الحرب وسذاجة شعاراتها.
على الرغم من انتماء أحداثها إلى القرن السابق، تطلق رواية “طابق 99” جرس إنذار، بعيداً عن الايديولوجيات، ضد أتون الحرب المشتعلة في مختلف أنحاء الشرق الأوسط، لتخبرنا أن المعارك الدموية تطلب أكثر من وقف إطلاق النار، وبأن “مآسي الحروب، لا تنتهي بعد حدوثها، بل تخالها تبدأ من هناك، من حكايا الأشلاء المطمورة”.
مقتطف الغلاف الخلفي:
كانت أخت فوزي جارنا تحبو باتجاه ثدي أمّها القتيلة لكي تأخذه في فمها حين أطلق الجنود النار على الصغيرة هي الأخرى. جارنا سعيد حاول أن يقاومهم فركلوه على خصيتيه وبصقوا عليه حتّى الموت. لم أستوعب يوماً عبارة “بصقوا عليه حتّى الموت”، البصق لا يقتل لكنّ الإهانة تفعل. لم يعرف أحد شيئاَ عن أمّي. لم يتركوا لنا حتّى روايةً عن مقتلها. لم يقل أحد إن كان صراخها قد دوّى في المكان. لم يعدّ أحد عدد الرصاصات الّتي أصابتها. لم يقل أحد شيئاً. جارنا أبو حسّان نجا بأعجوبة لأنّه نجح في أن يختبئ في “التتخيتة”. كان وحده في المنزل حين سمع المسلحين في الخارج. لم يستطع أن يبحث عن أبنائه وزوجته. كان يعرف أنّ لحظة خروجه من البيت ستكون لحظة انتهائه. “أصعب اشي بالدنيا تعرف انه الناس الي بتحبهم عم ينقتلوا جنبك ومش قادر تعمل اشي”، قال لأبي وهو يعضّ على شفتيه بحسرة لتظهر خلف شفتيه المجعّدتين أسنانه المعطوبة بسجائر التبغ العربيّ ويلمع بينها سنّه الذهبيّ الوحيد. روى أن المسلّحين دخلوا المنزل وقلبوه رأساً على عقب وهو يحبس أنفاسه فوق. قال إنّه شعر ككسيح مرمي أرضاً لساعات طويلة والماء على بعد أمتارٍ منه وهو عاجز أن يصل إليه لا زحفاً ولا مشياً. “لسنا رجالاً”، قال لأبي، “لسنا شيئاً على الإطلاق”.

السابق
في الأوهام الإيرانية
التالي
فانوس النبطية