الرسائل الأمنية.. هزّة عصا لـ’حزب الله’

تؤكد المعلومات الديبلوماسية المتداولة بأن الفراغ الرئاسي اللبناني ليس صدفة، بل ينمّ عن رغبة دولية في التريّث في بتّ هذا الموضوع بانتظار تكوّن مشهد إقليمي جديد خططت له الولايات المتحدة الأميركية التي تستثمر شرور «داعش» وتهدّد بها الدّول برمّتـها، الصديقة والعدوّة.
فقد قررت الولايات المتحدة الأميركية، بحسب أكثر من تقرير ديبلوماسي ورد الى لبنان من عواصم عدّة، تبديل استراتيجيتها من إضعاف إيران عبر البوّابة السورية التي أوصدت بوجهها، الى «الضرب وراء خطوط العدو» عبر العراق، ضاغطة على إيران على قاب قوسين من انتهاء مهلة الستة الأشهر الأولى من المفاوضات حول الملف النووي الإيراني التي تنتهي في 20 الجاري.

وعلمت «السفير» من أوساط ديبلوماسيّة أميركية أنّ العراق كان محور المحادثات التي أجراها يوم الخميس الفائت وزير الخارجية الأميركي جون كيري في باريس حيث التقى وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل والأردني ناصر جودة والإماراتي عبد الله بن زايد. واتفق كيري مع الوزراء الثلاثة بأنّ رئيس الحكومة العراقية الحالي نوري المالكي يقصي السنّة، لكنّه أبلغهم بأن الولايات المتحدة الأميركية لن تطالب برحيله علانيّة، بل هي ترفض رفضا قاطعا مقاطعة السنّة العراقيين لأعمال البرلمان وتطلب من الدول الثلاث تشجيع السنّة العراقيين على الانخراط أكثر في العمل المؤسساتي ما سيمكّنهم لاحقا من الوصول الى تشكيل حكومة وحدة وطنية، ويمنع في الوقت ذاته تمدّد المتطرفين مثل «داعش» المدعومة من رؤساء العشائر.

وأفادت الأوساط الأميركية أنّ «الملفّ اللبناني طرح بشكل ثانوي لناحية المخاطر الإرهابية التي تتهدده نظرا الى العلاقة بين حزب الله وإيران».
أما في الملف السوري فقال كيري إنّه في خلال شهرين سوف تتبدّل موازين القوى في الميدان السوري، ما سيضغط على بشار الأسد لدفعه الى السير بالتسوية السياسية وانخراط سوريا في المرحلة الانتقاليّة.

ضغوط على إيران

عطفا على هذه المعلومات، والتي تداولتها تقارير ديبلوماسيّة عدّة، تشكّل سيطرة «الدولة الإسلامية في العراق والشام» على الحدود بين سوريا والعراق واجتيازها الأراضي السورية عبر دير الزور والحسكة وامتدادها نحو شرق العراق وشماله وصولا الى العاصمة بغداد، ضربة قويّة للمحور الإيراني تجمّد تقدّم نفوذه وتؤدي الى شيء من التوازن بين دول المنطقة، خصوصا مع السعودية.
وتفيد المعلومات الديبلوماسيّة بأنّ متابعة ما يجري في العراق اليوم يشبه الى حدّ بعيد السيناريو الأوكراني، إذ زرع الأميركيون بذور الحرب عند أبواب روسيا، وهم يفعلون الأمر ذاته مع إيران إذ يزرعون عند بابها فزاعة «داعش» قاطعين خطّ إمدادها على شرق المتوسّط وصولا الى لبنان وسوريا.
وتشير هذه الأوساط الى أن الغرب، بعد مرور 3 أعوام من فشل سيناريو إضعاف إيران عبر سوريا، انتقل الى خطّة ثانية هي إضعافها عبر البوابة العراقيّة.
وتشير المعلومات الديبلوماسية الى أنّ السعوديّة التي تبدو مستفيدة من ظاهر الأمر عبر ازعاج عدوتها إيران، باتت قلقة وهي تنظر بتوجّس الى النيران المتطرفة تقترب من ثوبها، والأمر سيان بالنسبة الى بقية الدول الخليجية، خصوصا الكويت.
هذا الأمر يعني، بحسب المعلومات الديبلوماسية المتداولة، أن الأميركيين نجحوا بنقل المعارك السنية ـ الشيعية الى العراق وهو «عقدة الوصل» التي قوّت النفوذ الإيراني، خصوصا بعد انسحاب الجيش الأميركي من العراق عام 2011، وبالتالي أعاد الأميركيون حساباتهم مقررين ضرب إيران وإضعافها عبر العراق، وهذا السيناريو موضوع بالتعاون مع إسرائيل وبتنسيق وثيق مع تركيا، وهو سيناريو محكم يجعل كلّ هذه الدول تدور في فلك الولايات المتحدة الأميركية وتطلب مساعدتها، سواء مصر أم السعودية أم إيران أم حتى تركيا، وهي دول تتنافس أيضا على الزعامة في المنطقة أو على الزعامة السنية في ما بينها.
وتشير المعلومات الديبلوماسية الى أنّ للأمر علاقة أكيدة بتطورات المفاوضات الجارية حاليا بين إيران والدول الغربية، وبالتالي تعمد أميركا الى «زيادة سعرها» والى ضرب «الأكتاف الإيرانية» قبل التوصّل إلى توقيع اتفاق نووي مع إيران.
فالولايات المتحدة الأميركية تريد دفع إيران الى توسيع أجندة التفاوض لتشمل المواضيع الخلافية برمّتها وحتى توزيع مناطق النفوذ الإقليمية، في حين يصرّ الإيرانيون على تجزئة المواضيع وحصر التفاوض بالملفّ النووي فحسب.

لبنان وسوريا

من جهته، لا يزال لبنان محيّدا وينعم بمظلّة الاستقرار الدّولية، بدليل تعاون أجهزة الاستخبارات الغربية مع الأجهزة اللبنانية وتزويدها بإحداثيات عن الإرهابيين.
لكنّ الانعكاس الأول لما يحصل في العراق لبنانيا هو تراجع في محور إيران و«حزب الله»، «لكن الأمور في خواتيمها»، كما يعلّق ديبلوماسي لبناني، «فالطرف الإيراني لم يبرز ما لديه بعد، ومن المبكر الحديث عن أن إيران وروسيا سيرغمان على التفاوض من موقع الضعف على الملف السوري بسبب الخطر الداعشي الجاثم على أبوابهما».
أما الرسائل الأمنية الأخيرة على الساحة اللبنانية فهي نوع من «هزّة العصا» لهذا المحور والقول لـ«حزب الله» بأننا لم ننسك وقادرون على أن نطالك في الوقت الذي نريده، بحسب الديبلوماسي اللبناني.
وبالمختصر، فإن لبنان ينتظر نتائج الحركة الأميركية التي تعمل حاليا على إدارة مختلفة للصراع بين المسلمين من دون التدخّل مباشرة، فهي قد تقوم بضربات وترسل أسلحة، والهدف النهائي للأميركيين هو إعادة التفاوض على تشكيل السلطة العراقية، والأمر يتعدّى مسألة نوري المالكي الى إعادة تركيب معادلات السلطة في العراق ربطا بالحدود وبالدولة الكردية، ودور الشيعة ربطا بإيران، ودور السنّة ربطا بالسعودية.
الأمر سيان في الموضوع السوري بحيث يريد الأميركيون إرغام بشار الاسد، الذي انقطع تواصل جيشه مع العراق، على العودة الى مفاوضات جنيف السياسية ضعيفا وبحسب الشروط الأميركية، فيعاد تكوين السلطة في سوريا بحسب المشتهى الغربي وبعد تبدّل موازين القوى، وهو ما يفسّر كلام كيري لوزراء الخارجية السعودي والأردني والإماراتي في باريس.

السابق
تشويه التاريخ.. لأغراض انتهازية!
التالي
هل انتهى الخبز والملح بين الأزرق والبرتقالي؟

تابعوا اهم اخبارنا على تطبيق الوتساب

يقدّم موقع جنوبية مواضيع خاصّة وحصرية، تتضمن صوراً ووثائق وأخباراً من مصادر موثوقة ومتنوّعة تتراوح بين السياسة والمجتمع والاقتصاد والأمن والفن والترفيه والثقافة.

مجموعة جنوبية على الوتساب