تعثّر العملية السياسية يضع العراق ’على المحك’

تبددت الامال في امكان التوصل في وقت قريب الى اختيار رئيس جديد للوزراء، بعدما أخفق مجلس النواب المنتخب في جلسته الاولى امس في انتخاب رئيس للمجلس تمهيداً لاختيار رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء وسط فوضى دستورية عارمة وتراشق كلامي حاد، ليستنسخ بذلك الانقسام الذي ظلل عمل المجلس السابق طوال أربع سنوات. واعلن النواب السنة والاكراد الذين انسحبوا من الجلسة ان المضي في العملية السياسية مرتبط بتسمية الشيعة رئيساً جديداً للوزراء غير رئيس الوزراء المنتهية ولايته نوري المالكي.

ومع قول واشنطن ان الوقت لا يسير في مصلحة العراق، تتزايد المخاوف على مستقبل هذا البلد ووحدته في غياب التوافق على حكومة جديدة، وقت تقاتل الحكومة لوقف زحف مسلحين جهاديين تتقدمهم “الدولة الاسلامية” التي اعلنت الاحد اقامة “الخلافة الاسلامية” وتنصيب ابو بكر البغدادي زعيماً عليها باسم “الخليفة ابرهيم”. وكشف رئيس اقليم كردستان مسعود بارزاني انه يعتزم اجراء استفتاء على مستقبل الاقليم في الاشهر المقبلة.
وحذر الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة بان كي – مون في العراق نيكولاي ملادينوف من ان أي تأخير أو عدم مراعاة للمواعيد النهائية التي حددها الدستور لانتخاب رئيس لمجلس النواب ورئيس للجمهورية وتأليف حكومة جديدة “سينعكس سلباً على سلامة” البلاد. وعبر الأمين العام للامم المتحدة بان كي- مون عن “تقدير عميق” للسعودية لـ”تبرعها السخي بـ500 مليون دولار للأمم المتحدة للقيام بالعمليات الإنسانية المنقذة للحياة في العراق”.

وكانت الجلسة الاولى لمجلس النواب التي حضرها المالكي وزعماء آخرون بينهم رئيس “الائتلاف الوطني” ابرهيم الجعفري ورئيس المجلس السابق اسامة النجيفي، بدأت باداء اليمين الدستورية التي تلاها رئيس المجلس بالوكالة كبير السن النائب مهدي الحافظ على النواب، ورددها هؤلاء من بعده. ثم تلت النائبة الكردية الا طالباني اليمين الدستورية بالكردية ليرددها من بعدها النواب الاكراد.
وقال الحافظ ان 255 نائبا حضروا الجلسة من أصل 328 نائبا، وبذلك تحقق النصاب القانوني ويمكن بدء عملية اختيار رئيس مجلس النواب الجديد. ودعت النائبة الكردية نجيبة نجيب رئيس الوزراء الى “فك الحصار” عن اقليم كردستان الذي يتمتع بحكم ذاتي بدفع المستحقات المالية للاقليم من الموازنة العامة والمجمدة منذ اشهر.
وما ان تدخل الحافظ ليبلغ النائبة الكردية أن هذه الجلسة مخصصة لموضوع انتخاب رئيس المجلس ونائبيه فقط، حتى صاح النائب محمد ناجي الذي ينتمي الى منظمة “بدر” الشيعية “تريدون ان نفك الحصار عن داعش؟”، في اشارة الى تنظيم “الدولة الاسلامية”. وافاد مراسل “وكالة الصحافة الفرنسية” في القاعة ان نوابا سنة انسحبوا من الجلسة بعد كلام ناجي. ثم تدخل النائب كاظم الصيادي الذي ينتمي الى “دولة القانون” برئاسة المالكي ليقول ان رئيس اقليم كردستان “مسعود بارزاني اكبر عميل وخائن. تصدرون النفط الى اسرائيل وتنزلون العلم العراقي. سنسحق رؤوسكم وسنريكم ماذا نفعل بعد انتهاء الازمة”.
عندها أعلن الحافظ استراحة لمدة نصف ساعة. وعاد الى القاعة بعد انتهاء الاستراحة 175 نائبا، لتعصف بها فوضى عارمة، فقال نواب ان النصاب لم يكتمل اذ ان عدد النواب الحاضرين اقل من الثلثين، بينما قال نواب آخرون ان النصاب مكتمل لان الجلسة بدأت صباحا في حضور 255 نائبا. ثم بدأ رئيس الجلسة يتناقش مع النواب في امكان تأجيلها، او ابقائها مفتوحة، او فضها، فكان لكل من النواب الذين تحدثوا تفسيره الخاص للدستور، قبل ان يعلن الحافظ فض الجلسة والاجتماع مجددا في 8 تموز الجاري.

استعجال اميركي
وفي واشنطن، صرحت مساعدة الناطقة باسم وزارة الخارجية الاميركية ماري هارف: “كان من المهم انعقاد البرلمان العراقي الجديد اليوم كما وعد”. وقالت ان “ذلك كان امرا جيدا، ولكن نأمل في ان يتحرك الزعماء العراقيون بالسرعة القصوى التي يتطلبها الوضع الحالي”. وحذرت من ان “مصير العراق على المحك الان… وامام القادة العراقيين خيار مهم حيال مستقبل بلادهم: هل سيجتمعون؟ هل سيشكلون حكومة؟ هل سيقولون سنقاتل هذا التهديد معا؟” واضافت: “كان من الافضل لو اختاروا رئيسا للبرلمان اليوم… وكان من الافضل لو قاموا بذلك قبل 8 تموز، لكننا ندرك كذلك ان هذه عملية صعبة”.
ورفضت التلميح الى ان رسالة وزير الخارجية جون كيري الى الزعماء العراقيين خلال زيارته بغداد واقليم كردستان الاسبوع الماضي لم تلق الاستجابة المطلوبة.
واعلن الرئيس الاميركي باراك اوباما في وقت متقدم الاثنين ارسال 200 جندي اميركي اضافي الى العراق لحماية الرعايا الاميركيين والسفارة الاميركية في بغداد. وبذلك ارتفع الى 800 عدد الجنود الذين ارسلتهم الولايات المتحدة الى العراق منذ اجتياح الجهاديين السنة مدينة الموصل في شمال العراق في 9 حزيران الماضي.

اسلحة روسية
وتحاول القوات العراقية استعادة مناطق من المسلحين، بينها تكريت التي تواصلت في محيطها الاشتباكات بين القوات العراقية والمسلحين المتطرفين من الجانبين الجنوبي والغربي للمدينة.
واعلنت وزارة الدفاع العراقية في بيان ان خمس طائرات جديدة من طراز “سوخوي 25” وصلت الى العراق، وان عددا من هذه الطائرات حلق فوق بغداد، فيما صرح ناطق باسم الوزارة بان الطائرات الروسية ستبدأ عملياتها القتالية “اليوم او غدا”.
الى ذلك، نقلت وكالة “إيتار -تاس” الروسية الرسمية عن مصدر ديبلوماسي عسكري روسي أن “مجموعة جديدة من مروحيات “مي – 28 أن أي” و”مي – 35 أم” الروسية الهجومية وصلت إلى العراق”. وقال “ان نقل أربع مروحيات من طراز “مي – 35 أم” وثلاثة من طراز “مي – 28 أن أي” جرى بواسطة طائرات نقل من نوع أن – 124 روسلان”.
واشار الى انه من المقرر أن يحصل العراق حتى سنة 2016 على 24 مروحية من طراز “مي –
35 أم” و19 مروحية من طراز “مي – 28 أن أي” والتي “سيستخدمها في مكافحة الإرهاب على الأراضي العراقية”.

الموقف الايراني
وصرح نائب وزير الخارجية الايراني حسين امير عبداللهيان بعد محادثات مع المسؤولين الروس في موسكو ان ايران لن ترسل جنودا الى العراق لمحاربة المقاتلين الاسلاميين بل هي مستعدة لتزويده اسلحة اذا طلب ذلك.
وقال في مؤتمر صحافي عقب محادثات مع نظرائه الروس في شأن زحف عناصر جهادية من تنظيم “الدولة الاسلامية”، “ليست لدينا اي نية لارسال قواتنا المسلحة الى العراق. العراق لديه جيش قوي”. وافاد ان “العراق لم يطلب اسلحة من بلادنا” ولكن “اذا حصل هذا الطلب… فسنقدم للعراق الاسلحة اللازمة لمكافحة الارهاب”. واضاف ان طهران ستقدم “مستشارين” عسكريين الى العراق. واعتبر انه “من الضروري اتخاذ اجراءات للحؤول دون انقسام البلاد”، ودعا الى احترام الدستور العراقي. ورأى انه “بدل من الحلم، يتعين على قادة المناطق الكردية في العراق ان ينظروا الى الواقع”.

البارزاني

ومعلوم انه في خضم هجوم الجهاديين الذي ترافق مع انسحاب القوات العراقية من مناطق عدة بينها مناطق محاذية لاقليم كردستان، ارسلت سلطات الاقليم قوات البشمركة الكردية الى مناطق متنازع عليها مع بغداد ابرزها كركوك وفرضت سيطرتها عليها.
وقال البارزاني لهيئة الاذاعة البريطانية “بي بي سي” ان العراق “مقسم فعلا. هل يتعين علينا ان نبقى في هذا الوضع المأسوي الذي يعيشه البلد؟… سننظم استفتاء في كردستان، سنحترم وسنلتزم قرار شعبنا. نامل في ان يتصرف آخرون بهذه الطريقة”. وعن موعد تنظيم هذا الاستفتاء على استقلال كردستان، قال انه لا يمكنه “تحديد موعد الان”، مؤكدا مع ذلك انها “مسالة اشهر”.

البغدادي
وفي تسجيل صوتي هو الاول له منذ اعلان “الخلافة”، تعهد البغدادي الانتقام لما قال إنه مظالم ارتكبت في حق المسلمين ودعا المقاتلين الى الثأر. وقال: “ان اخوانكم في كل بقاع الأرض ينتظرون نجدتكم”. وذكر عددا من الدول يمتد من جمهورية افريقيا الوسطى الى ميانمار حيث قال ان انتهاكات ارتكبت في حق المسلمين. ودعا المسلمين الى الهجرة الى “الدولة الاسلامية” قائلا ان هجرتهم فرض. ووصف “الدولة الاسلامية” بانها “دولة حيث العرب وغير العرب، الرجل الابيض والرجل الاسود، الشرقيون والغربيون كلهم اخوة”. وناشد الدعم في ما هو ابعد من الشرق الاوسط بقول: “ايها المسلمون، سارعوا الى دولتكم. نعم انها دولتكم. اسرعوا لأن سوريا ليست للسوريين، والعراق ليس للعراقيين. ان الارض ملك الله”.

السابق
المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان تدعم القانون الفرنسي لحظر النقاب
التالي
إعلان الخلافة.. جبهات جديدة تشتعل