الفراغ الرئاسي طويل في لبنان

كثيرا ما كنا نسمع في الأشهر الأخيرة من ممثلي الدول الغربية وروسيا وعدد من الدول العربية الصديقة أن الفراغ الرئاسي خطير جداً وانه يجب أن ينتخب لبنان رئيساً وإلا فان الخطر عليه كبير جداً. غادر الرئيس ميشال سليمان القصر الرئاسي في الموعد الدستوري كما كان وعد وبقي المنصب شاغراً. والدول انشغلت بنار المنطقة من سورية إلى العراق، ما جعل البعض يكتفي بسير الأمور الحكومية في لبنان على أن ينزل الوحي يوماً ما إلى الطبقة السياسية اللبنانية لتتفق على رئيس. وبات واضحاً من كل اللقاءات التي جرت في باريس، وآخرها لقاء رئيس اللقاء الديموقراطي النائب وليد جنبلاط مع الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، وقبل ذلك لقاء الرئيس سعد الحريري بوزيري خارجية الولايات المتحدة وفرنسا جون كيري ولوران فابيوس، أن انتخاب رئيس في لبنان لن يتم في المستقبل القريب، أولاً لأن الشرخ السياسي في لبنان عميق بين «حزب الله» وحلفائه وقوى ١٤ آذار. وثانياً لأن «حزب الله» غير منزعج من الفراغ الرئاسي طالما أنه الأقوى في المعادلة السياسية في البلد ولا شيء يمكن أن يحصل إذا لم يوافق عليه.
واليوم هناك جلسة أخرى للبرلمان اللبناني ستكون مثل الجلسات السابقة، حيث المرشح غير المعلن العماد ميشال عون وكتلته لن تحضر وستجدد الأمور إلى ما لا نهاية طالما لم يعد انتخاب الرئيس في لبنان في أولويات الدول النافذة. ففرانسوا هولاند يرى ضرورة انتخاب رئيس ويبلغ اللبنانيين استعداده للمساعدة، ولكن كيف؟ ومع من؟ فالدول الإقليمية مهتمة الآن بما يجري في العراق وليس لديها الوقت لممارسة أي ضغط على الأطراف اللبنانية، خصوصاً أن إيران مثلاً غير منزعجة من هذا الفراغ طالما حليفها في لبنان في وضع مرتاح داخلياً على عكس صعوباته وخسائره في حربه في سورية. فالحزب يحارب إلى جانب النظام السوري عدويين هما قوات المعارضة على الأرض وقوات «داعش». وتحولت مقاومة إسرائيل إلى مقاتلة مقاومين سوريين ويا لفرحة إسرائيل لذلك! و «حزب الله» مدرك لخطورة ذلك على جر لبنان إلى كوارث أمنية تجعله أضعف داخلياً، وعلى رغم ذلك فإن انتخاب رئيس أو عدم انتخابه لا يؤثر في حسابات الحزب، إنما سير الحكومة قدماً وتعاون سلطات أمن الحزب وسلطات أمن الدولة هي لصالح أمن اللبنانيين ولصالح تفادي الكوارث. وكما يردد الرئيس الحريري ووزير الداخلية نهاد المشنوق، أن الحوار مع الوزير جبران باسيل أتاح سير العمل الحكومي على أكثر من صعيد، وخصوصاً في ما يخص الأمن. ولكن إلى متى ستبقى الأمور على ما هي من دون رئيس؟ ومن يكون الرئيس الجديد بعد تجاوز عقدة ترشيح العماد ميشال عون والدكتور سمير جعجع؟ من هو هذا المرشح الرئاسي الذي سيجمع الشرخ السياسي اللبناني العميق؟ ومن سيفرضه؟ وأي وحي سينزل للانتخاب؟
الأجوبة على هذه الأسئلة ستأخذ وقتاً طويلاً. والاتجاه حالياً يبدو للتمديد للمجلس النيابي حتى إشعار آخر. وانتخاب الرئيس مؤجل حتى إشعار آخر. فقد استسلمت الدول المعنية بلبنان إلى كون الأمور ماشية طالما الحكومة ماشية، فلا داعي الآن للضغط على أحد. وهذا خطأ في التقدير، لأن غياب الرئيس يضعف الدولة اللبنانية بشكل كبير ولو أن سلطات الرئيس محدودة ولكن على الأقل هو رمز التعايش في لبنان مع المسيحيين. وهذا التعايش في ظل منطقة تتخبط في الحروب الطائفية بين السنّة والشيعة هو أساسي للبلد وأساسي لمسيحيي لبنان ومسلميه. فعلى مسيحيي لبنان كلهم أن يستيقظوا وينظروا ما يجري أينما كان حولهم في العراق وسورية والأراضي الفلسطينية وإسرائيل وأن يكفوا عن طموحاتهم ليتوافقوا على مرشح رئاسي قبل فوات الأوان. لبنان سيبقى لمدة من دون رئيس ولكن على الجميع، من لبنانيين ودول معنية ألا يستسلموا لهذا الواقع وأن يأخذوا المبادرة لإيجاد حل ما في اتجاه التوصل إلى توافق.

السابق
بان كي مون يعرب عن امتنانه للسعودية إثر مساعدتها الشعب العراقي
التالي
زوار بري لـ ‘النهار’: لا جدوى من اجراء حوار وطني حاليا