حربٌ على قمم الجبال بين ’حزب الله’ و’القاعدة’

يفتقد الى الدقة كل ما يحكى عن بداية معركة السيطرة على سلسلة الشرقية لجبال لبنان من قبل “حزب الله”، فلا الكمين الذي تعرض له عدد من عناصر الحزب في رنكوس له علاقة بهذه المعركة، ولا الاشتباكات التي تحصل بين يوم وآخر على قمة هنا او هناك تعني بداية بدء عملية القضم الحاسمة.

قبل نحو اسبوع، قام المسلحون المحاصرون في جبال القلمون بمحاولة لاستعادة معبر جوسي الحدودي، في عملية عسكرية لها اكثر من دلالة اهمها ان هؤلاء لا يزالون يملكون قدرة على المبادرة العسكرية، وتكبيد القوات العسكرية التي تعمل بطريقة نظامية خسائر لا يستهان بها عبر عمليات استنزاف، وتالياً فان خطر هؤلاء المسلحين لا يزال قائماً.
لا يعرف “حزب الله” عدد المقاتلين الموجودين في جبال السلسلة الشرقية، فهم آلاف ممن هربوا بعد معركة القصير، فقارة، فيبرود، واخيراً رنكوس. ورغم كل فرص الاستسلام، او الممرات الآمنة التي تركت لهم، فان هؤلاء لم يفعلوا كما فعل رفاقهم، قرروا البقاء والقتال حتى الرمق الاخير. هم اليوم محاصرون بين الاراضي اللبنانية وخاصة قرى البقاع الشيعية التي يسيطر عليها “حزب الله”، وبين قرى ومدن القلمون السورية التي يسيطر عليها الجيش السوري.
تتحدث مصادر مقربة من “حزب الله” عن تجنّب الاخير معركة حاسمة في تلك الجبال، رغم رغبته الكبيرة في السيطرة عليها. تختلف معارك المدن كثيراً عن معارك الجرود، وهذا ما يعرفه “حزب الله” جيدا، ويعرف الحزب جيدا ان ما كبّد به اسرائيل من خسائر على مدى 25 سنة خلال عمله كقوى غير نظامية في الجنوب، يمكن ان يتكبده هو من خلال خوضه معركة كجيش تقليدي ضدّ مجموعات غير نظامية في جبال القلمون.
وتسير المعارك اليوم وفق المصادر عينها بتنسيق كبير بين ثلاث قوى رئيسية، اولها “حزب الله” الذي يسعى الى السيطرة المتفرقة والسريعة على نقاط استراتيجية على طول السلسلة، من دون خوض معركة اجتياح كاملة لجغرافيتها.
اما القوة الثانية فهي الجيش السوري الذي يعمل على تضييق الخناق من الجانب السوري للسلسلة لمنع هروب المسلحين لداخل الاراضي السورية. ويبقى دور الجيش اللبناني الذي يسعى الى تعزيز تواجده في جرود بلدة عرسال لمنع اي تسلل للمقاتلين المعارضين الى الداخل اللبناني.
ولا شكّ ان العمليات الموضعية في سلسلة الجبال الشرقية لم تتوقف منذ بدأت معركة القصير، ولا شكّ ايضاً ان هذه العمليات تكثّفت بعد سقوط رنكوس بيدّ “حزب الله”. وتؤكد المصادر ان اهم تحولات هذه المعركة هي ما حصل قبل ايام، بعد دخول “حزب الله” الى بلدة الطفيل اللبنانية، الامر الذي قسم السلسلة الشرقية الى قسم شمالي وآخر جنوبي ما شتت الى حدّ كبير قوى المسلحين المعارضين.
ويقول رامي عبد الرحمن، مدير المرصد السوري لحقوق الانسان ان “الحديث عن معارك جبال السلسلة الشرقية ليس سوى تضخيم اعلامي، اذ ان الذي يحصل هو قصف مركز على الاودية والكهوف وذلك لتقييد حركة المقاتلين الموجودين في تلك الجبال”.
ويضيف عبد الرحمن في اتصال مع “النهار” ان “هناك 4000 شخص بين مقاتلين وعائلاتهم موجودون في جبال القلمون، وهؤلاء يحصلون على المواد الغذائية والتموينية من عرسال باسعار السوق”.
ويعتبر عبد الرحمن ان “حزب الله يتخوف من عمليات مقاومة يقوم بها مقاتلو “جبهة النصرة” الذين يتبنون فكر تنظيم “القاعدة” والمتمركزون في الجبال ضد حواجزه ومراكز الجيش السوري وهذا ما يؤدي الى حرب استنزاف، مع العلم ان المقاتلين غير قادرين على القيام بالمبادرة العسكرية لاستعادة المناطق التي خسروها، وهم يعرفون ذلك جيداً”.
ويضيف ان “مشكلة المقاتلين المتمركزين في الجبال هي قدوم فصل الشتاء، من دون ان يكون لديهم تجهيزات للتدفئة، او مواد غذائية، وهذا سيكون لمصلحة النظام وحزب الله الذان يحصنان نفسهيما جيدا ويحضران للشتاء ولديهما طرق امدادات جاهزة”.

تمنع حساسية عرسال “حزب الله” القوة الوحيدة القادرة على عزلها عن الداخل السوري من القيام بأي عملية عسكرية فيها، الامر الذي كرسها نقطة ضعفه الوحيدة في هذه البقعة الجغرافية. ويتخوف الحزب من الوضع في عرسال كثيراً وخاصة بعد فقدان اهالي البلدة السيطرة عليها بعد اكثر من حادثة اظهرت استعانة السوريين في البلدة بمسلحين في الجبال. الا ان السيناريو الكارثي الذي يتخوف منه هو محاولة المسلحين المحاصرين في جبال السلسلة الشرقية بعملية عسكرية نحو الداخل اللبناني، واذا كانت هذه العملية محكوم عليها بالفشل في حال توجهت نحو قرى البقاع الشيعية، فان دخول المسلحين الى عرسال اولاً ومن ثم الى اللبوة التي تفتقد للتحصينات العسكرية الفعلية، سيؤدي الى ما لا يحمد عقباه.
ليس في الحديث عن سعي حزب الله الى السيطرة على السلسلة الشرقية لجبال لبنان، اي مبالغة. بل على العكس، ففي سيطرته تلك يستحصل على العديد من الاهداف الاستراتيجية، لكن دون ذلك عقبات كثيرة يعرفها الحزب جيداً، الامر الذي سيطيل معركة السلسلة الشرقية لاشهر آتية.

السابق
القاء القبض على مرافق محمد كبارة
التالي
وثيقة الحراك السني في لبنان لإغلاق ملف الموقوفين الاسلاميين