تلزيمات وزارة الأشغال: البقاء لـ«غازي»!

خلال يومين فقط، لزّمت وزارة الأشغال العامة أكثر من 166 مشروعاً لتزفيت الطرق وتعبيدها. هذه عينة من مئات المشاريع المجزأة التي لُزّمت في الأسابيع الماضية لبضعة متعهدين محظيين. قيمة المشاريع الملزمّة تزيد على 100 مليار ليرة، ويتردّد أن المتعهدين يحصلون عليها، وفق توزيع مناطقي، وبعد زيارة «خاصة» إلى وزارة الأشغال

«غازي مطرح غازي يبرك». ذهب العريضي وأتى زعيتر، وبقيت وزارة الأشغال العامة على المسار نفسه. الأول كانت لديه ملكة الظهور الإعلامي والعمل تحت الطاولة. أما الثاني فيفضّل الظلّ، لكنه يعمل على المكشوف. العريضي كان يرفع المشاريع إلى مجلس الوزراء ويستحصل على قرار سياسي بتلزيمها بطريقة استدراج العروض المحصور من دون أن يلجأ الى تجزئة المشاريع إلا نادراً. أما زعيتر فاعتمد التجزئة نهجاً أساسياً في التلزيمات.
فتحت أبواب مشاريع التعبيد والتزفيت على مصاريعها في وزارة الأشغال العامة. وبحسب مصادر مطلعة، أقرّت الوزارة مشاريع تتجاوز قيمتها 100 مليار ليرة خلال أسابيع معدودة، غالبيتها لزّمت بطريقة التجزئة لتلافي إخضاعها لرقابة ديوان المحاسبة المسبقة التي تجبره على رفضها كونها استدراجات عروض محصورة. لجوء الوزارة إلى التجزئة كان لافتاً، خصوصاً أن التلزيمات كانت تدار بطريقة مختلفة أيام الوزير العريضي.

إذ كان ديوان المحاسبة يردّ المشاريع إلى الوزارة بسبب مخالفتها قانون المحاسبة العمومية وعدم إجراء مناقصات، وإنما باستدراجات عروض محصورة بعدد محدود من المتعهدين، فيحيلها العريضي على مجلس الوزراء لإقرارها والاستحصال على موافقة السلطة السياسية على تجاوز القوانين. إلا أن للوزير زعيتر طريقة مختلفة عن سلفه. فبعدما ردّ ديوان المحاسبة ملف تلزيم طريق المدينة الرياضية ــــ المطار بقيمة مليار ليرة، قرّر وزير الأشغال الحالي أن يستند إلى قرار مجلس الوزراء وموافقته على التجزئة. ووفق التجزئة، يحق للوزير أن يوقّع قرارات صرف لا تتعدى الـ 75 مليون ليرة من دون الحصول على موافقة مسبقة من ديوان المحاسبة، وبالتالي يمكنه تجزئة أي مشروع يزيد على هذا المبلغ الى مجموعة مشاريع لا يتعدى سقف كل منها المبلغ المذكور.
ويذكر أن التهرّب من رقابة ديوان المحاسبة، من خلال ملفات التجزئة، كان عنصراً أساسياً في إحالة ملف المدير العام لصندوق المهجرين فادي عرموني على النيابة العامة المالية.
أياً يكن الحال، فإن آلية التجزئة تحوّل المشروع الواحد إلى مشاريع عدة، ويمكن عندها تلزيم كل مجموعة مشاريع على أكثر من مرحلة. فعلى سبيل المثال، تنفّذ مشاريع التعبيد والتزفيت في مدينة بعلبك على أساس أنها 10 أقسام، أي 10 مشاريع، وبدنايل 5 أقسام، والشربين 5 أقسام، وشمسطار 3 أقسام، واللبوة قسمان… طبعاً كان يمكن للوزارة أن تدمج بين الأقسام وبين عدد من المشاريع فتجعلها كلّها مشروعاً واحداً.
وبحسب المعطيات المتداولة، فإن أحد أبرز النماذج على تلزيمات وزارة الأشغال العامة في عهد زعيتر، أنه خلال يومين من شهر حزيران الماضي، لزّم أكثر من 166 مشروعاً، استناداً إلى قرار مجلس الوزراء الرقم 33 الذي يجيز للوزارة تلزيم أشغال صيانة شبكات الطرق وتجزئتها بموجب استدراجات عروض وفقاً لاحكام المادة 123 من قانون المحاسبة العمومية. وقد كان لافتاً، وفق ما ورد في مستندات «تسمية المتعهدين للمشاركة في استدراج عروض تلزيم أشغال»، أن وزارة الاشغال العامة تعتبر الأشغال المطلوبة «من الأهمية بمكان وتمثّل حاجة ضرورية وملحّة لتأمين صيانة وتأهيل شبكة الطرق حفاظاً على السلامة العامة».

تبرير الحاجة الملحّة

تبرير الحاجة الملحّة لا يتلاءم مع طبيعة الأشغال المطلوب تنفيذها لجهة كونها أشغال تعبيد وتزفيت وبعض الأشغال الصناعية، أي أنها أمور مطلوبة من الدولة، ولكن تهديدها السلامة العامة أمر مشكوك في صحتّه. إلا أنه رغم ذلك، أطلقت يد الوزارة في التلزيمات الاستثنائية، واستُدعي عدد محدود من المتعهدين لتنفيذ هذه المشاريع. وبحسب مصادر مطلعة، استدعي للمشاريع الـ 166 سبعة متعهدين هم: «مؤسسة حمود للتجارة والمقاولات»، «المؤسسة العامة للصيانة والتعهدات»، «مكتب حميد كيروز»، «شركة أراكو للاسفلت اللبنانية»، «شركة غلوبال كونتراكتينغ»، «الشركة العربية للأعمال المدنية»، المهندس هاني محسن ضاهر. وقد استدعي خمسة من بين هؤلاء في كل استدراج عروض، ليرسى التلزيم في غالبية المشاريع على «غلوبال» التي يملكها حسان بشراوي. واللافت أن التلزيمات ترسى على متعهد معروف أو اثنين وفق توزيع مناطقي.

وثمة كثير من الأسئلة التي يطرحها المتعهدون: ما هي المعايير التي يستدعى على أساسها هؤلاء المتعهدون دوناً عن غيرهم؟ ولماذا يستدعون وحدهم إلى كل هذه المشاريع؟ ولماذا لم تدفع بعد حوالات الأموال لبعض المتعهدين من قبل وزارة المال؟ ولماذا يضطر بعض المتعهدين الى الوقوف في الطابور على أبواب وزارة الأشغال من أجل لقاء مع أحد المستشارين؟ وما الهدف من وجود هذا المستشار؟
وفي موازاة هذه الأسئلة، تبيّن لبعض المتعهدين أن «تقديم فروض الطاعة أمر إجباري لدفع الكشوفات الماضية عن تلزيمات لمشاريع نفذت، وإلا لماذا تدفع الأموال لمشاريع نفذت حديثاً، فيما المشاريع التي نفذت سابقاً لا تزال نائمة في أدراج الوزارة؟». ويتحدث هؤلاء عن أن بعض المتعهدين الذين التزموا هذه الصفقات يتبرّعون بمبالغ سخيّة لمؤسسات خيرية ولمؤسسات تربوية تقام حالياً في مناطق جنوبية.
وإذا كانت فروض الطاعة إجبارية على أصحاب الحقوق، فإنها أيضاً من الواجبات المقدسة على الراغبين في الحصول على تلزيم لمشروع هنا أو آخر هناك. وعند هذا الحدّ تصبح الحظوة هي المعيار الاساسي لمنح هذا المتعهد أو ذاك مشروعاً ما. لكن الفرصة ليست متاحة للجميع، فالتقسيم المناطقي للمشاريع وتداخل هذا الأمر مع معيار «الحظوة» يجعل المنافسة صعبة في سوق الزبائنية السياسية.
أكثر ما هو لافت في تلزيمات وزارة الأشغال العامة، أنه حين استقال العريضي وحلّ بدلاً منه الوزير احمد كرامي، حاول الأخير أن يلزّم مجموعة كبيرة من مشاريع التعبيد والتزفيت وصيانة وتأهيل الطرق بواسطة التجزئة، إلا أن التفتيش المركزي أوقفها كلّها ولا يزال يحقق في بعض الملفات مثل ملف مجدل عنجر الذي شكا منه رئيس البلدية بسبب التجزئة والأعمال التي لا تتناسب مع المشروع. إلا أن التفتيش المركزي معطل اليوم شأنه شأن باقي مؤسسات الرقابة التي تهيمن السلطة السياسية عليها وعلى قراراتها.
أما بالنسبة للمتعهدين، فإن هناك نوعين منهم: «متعهدو الشنطة» الذين يلتزمون الأعمال ويلزمون تنفيذها العملي إلى متعهد لديه المعدات والخبرات والطاقم المناسب، والمتعهدون المنفذون. علماً أن «متعهدي الشنطة» هم الأكثر حظوة. ورغم أن تجزئة المشاريع تحول دون زيادة الكميات وفروقات الأسعار، إلا أن هؤلاء يقبضون أرباحهم سلفاً، مثلهم مثل الطقم السياسي.
أولويات «المحظيين»

تقول أوساط في نقابة مقاولي الأشغال العامة إن توزيع تلزيمات الأشغال العامة، وخصوصاً تلزيمات التزفيت وتعبيد الطرقات وصيانتها وتأهيلها، «تُمنح» لبعض المتعهدين كأنها مكسب دائم وحصري لهم. وقد تحوّلت طريقة التلزيم بواسطة استدراج العروض المحصور إلى «قاعدة» يعمل عليها كل الوزراء المتعاقبين على وزارة الأشغال العامة، إذ لم ترسل هذه الوزارة أي ملف إلى إدارة المناقصات منذ مطلع 2014. وبصرف النظر عما إذا كانت التلزيمات مع تجزئة أو من دون تجزئة، فإن توزيع الأشغال على المتعهدين أصبح بنداً محسوماً وفق أولويات الوزراء المتعاقبين. بعضهم كان يمنح الأولوية للانتماءات السياسية والطائفية، وبعضهم كان يراعي الهوية المناطقية للمتعهدين، وثمة مراعاة دائمة لما يمكن أن يقدّمه المتعهد إلى الجهة السياسية الراعية.
وبحسب هذه الأوساط، فإن المناطق موزّعة على المتعهدين على النحو الآتي: المتعهد حسّان بشراوي يلتزم غالبية التلزيمات في منطقة بعلبك ــ الهرمل، وأكدت المصادر أن هذا المتعهد وحده حصل على تلزيمات بقيمة 33 مليار ليرة. وغالبية التلزيمات في منطقة البقاعين الأوسط والغربي تمنح للمتعهد قاسم حمّود بقيمة 11.5 مليار ليرة، وهناك قسم من التلزيمات في جبل لبنان وبيروت منحت للمتعهد جهاد العرب. أما في الجنوب، فهناك مرجعية معروفة توزّع التلزيمات على مجموعة من المقاولين المحسوبين عليها، كذلك في الضاحية، أما في في الشمال، فإن المشاريع لا تزال قيد التلزيم.

السابق
الرئيس في المترو
التالي
إبراهيم: تفجير ضهر البيدر لم يستهدفني