أين الإسلاميون في الشمال من الفكر الإرهابي؟

داعش

كثر الحديث في الآونة الأخيرة، وخصوصاً مع التطورات التي يشهدها العراق، عن تداعيات سيطرة “الدولة الاسلامية في العراق والشام” (داعش) على لبنان عموماً، وعلى الشمال خصوصاً، لكونه يحوي العدد الأكبر من المسلمين السنّة. وكثر الحديث أيضاً عن وجود بيئة خصبة لاستقبال “داعش” في طرابلس والمناطق المجاورة، وذهب البعض الى القول إن “داعش ليست في حاجة للمجيء الى هذه المناطق لإنها موجودة أصلاً في أدبيات الكثيرين من سكان طرابلس وعكار والضنية”.

اذاً هي طرابلس مرة أخرى يسلّط عليها الضوء إسلامياً. فالمدينة التي لا تزال تعيش فرحة طي صفحة الجولات العبثية التي عاشتها، يحاول اليوم بعض المتضررين من استقرارها، إحراجها وإحراج شبابها الملتزم الذي لم يثبت إطلاقاً أن لديه اتصالاً منظماً بجماعات إرهابية، لاخراجه عن طوره ودفعه نحو التطرّف ونحو “الداعشية الفكرية”، فيصبح ما يُقال عنه أمراً واقعاً يجب التعامل معه بجدية وحزم لاستئصاله من جذوره.
في أدبيات الإسلاميين أن ما جرى في العراق “ثورة مباركة على الظلم الذي مارسه المالكي ضد أهل السنة، والثابت أن من قام بهذه الثورة الى جانب ما يسمى الدولة الاسلامية هم العشائر السنية التي ضاقت ذرعاً بممارسات المالكي وفريقه”. وترى فئة من الاسلاميين يغلب عليها الطابع الشبابي أن العراق شهد “نصراً سنياً على القهر الشيعي الممارس منذ احتلال العراق عام 2003، وهو نصر نؤيده ونأخذ منه العبر وندعو البعض في لبنان وسوريا الى قراءته جيداً، لان دلالاته استراتيجية”، لكن فئة المشايخ والعلماء تنظر الى هذه الثورة بعين المبتسم بحذر، اذ أنها تعي خطورة المشهد، وتقول لـ”النهار”: ما جرى جيد لكن ماذا بعد؟ أليس المالكي هو من أشعل الفتنة الطائفية بينه وبين السنّة؟ أليس هذا كله مقدمة لحرب دينية بالشكل، سياسية في المضمون لن تبقي ولن تذر؟ ألن تنعكس هذه الفتنة على الدول الاسلامية، وخصوصاً حيث ثمة تداخل سنّي – شيعي؟”، وتضيف: “محاولة البعض حشر طرابلس في الزاوية إسلامياً ودفعها لممارسة نوع من الكبت السياسية حيال هذا الأمر لا يصب إلا في خانة توتير الاجواء وليس تبريدها”.
من جهة ثانية، تنفي مصادر إسلامية تعيش داخل مطبخ الاسلاميين لـ”النهار” وجود حالة تنظيمية مرتبطة بالدولة الاسلامية، وتقول: “هناك شباب يشعرون بالظلم الواقع على أهل السنّة في سوريا ولبنان والعراق، ويتألمون لما يجري، ويؤيدون النصر الذي يتحقق على أيدي المجموعات المسلحة في سوريا والعراق ضد الأسد والمالكي، وقد يرفع بعضهم راية “لا إله إلا الله”، التي يتخذها “داعش” شعاراً له، من باب الحماسة وليس من باب التزام عقيدة هذا التنظيم وممارساته، ولا أحد يقبل بالقتل على الهوية ومن دون سبب، وطرابلس تاريخياً لم تعرف تنظيمات كهذه ولا حتى بيئة حاضنة لها، وما يحكى اليوم عن بيئة حاضنة كلام مغلوط، اذ أن كل مسلم سني هو بيئة حاضنة لمن يوقف الظلم الواقع على إخوانه في سوريا والعراق ولبنان، تختلف الآليات ويبقى الهدف واحداً: وقف الظلم الذي يؤسس لردات فعل قد لا تنتهي”.
لكن ماذا عن عودة الحديث عن إمارة إسلامية في الشمال وطرابلس في ظل انتصارات “داعش”؟ أليست هذه الانتصارات بمثابة دفع للجماعات الاسلامية في طرابلس تعطيها جرعات معنوية للتقدم بمشروعها أكثر نحو الإمام؟ يضحك محدثي ويجيب: “مشروع اسلامي؟ وهل للمسلمين في لبنان من مشروع؟ الإمارة وهم وخيال، ولا مقومات جغرافية ولا اقتصادية ولا سياسية لها، وتركيبة لبنان الديموغرافية لا تسمح باقامتها، ونحن مؤمنون بذلك، ولا نريدها إطلاقاً، كل ما نريده ونطالب به أن يكون العدل أساس الملك في لبنان فعلاً لا قولاً”.
الشيخ الذي يعيش تفاصيل الحالة الاسلامية الحالية في طرابلس، بل يضع الكثير من بصماته عليها، يعترف بأن أخطاء كبيرة يرتكبها بعض الشباب المسلم في طرابلس “بحق اسلامهم وبحق أنفسهم ومدينتهم؟، ويرجع ذلك الى أسباب عدة أبرزها “تعامل الدولة بمكيالين في ملف التوقيفات والموقف من سوريا، ففي الوقت الذي تمر قوافل حزب الله المدججة بالعناصر والسلاح الى سوريا وبغض الطرف عنها، يعتقل شبابنا اذا قاتلوا منفردين في احدى القرى الحدودية وعادوا الى منازلهم، فأي معيار تعتمده الدولة اللبنانية في هذا الملف؟”.
ويضيف: “نعم هناك 2% من الشباب المسلم يتبنى خطاب تنظيم الدولة الاسلامية، والدولة اللبنانية تعرفهم بالاسم وتحاول القبض عليهم، لكن هؤلاء لا يشكلون خطراً كبيراً على المدينة واستقرارها، ولا يمكنهم إقامة إمارة، لأن أول من سيقف في وجههم هم سائر المسلمين السنة من طرابلس وضواحيها”.

السابق
نوري المالكي: ما حصل في الموصل عملية تسليم وخيانة
التالي
رحلة الانتحاريين السعوديين من الرقة إلى بيروت