جيش التحرير الأميركي

أحدثت غزوة داعش المدن العراقية في الغرب وفي الشمال انقلاباً قيميّاً هائلاً. ففي ظل هذه الغزوة حصلت مصالحة تاريخية بين “الامبريالية الأميركية” والممانعة. ها هي إيران تطلب من الولايات المتحدة الأميركية قصف مواقع داعش في الموصل. رأس الممانعة يطلب من رأس الامبريالية أن تتولى الأخيرة تحرير الموصل من داعش!

إيران تدرك أن الجيش العراقي لا يمكنه القيام بالمهمة، ذاك أن فضيحة الموصل كشفت ضآلة هذا الجيش، وكانت فضيحة سابقة قد كشفت عن هذه الضآلة، فداعش تحتل الفلوجة منذ أكثر من ستة أشهر ولم يتمكن الجيش من تحريرها.

تقنياً، يمكن لإيران أن تقوم بالمهمة، لكن ذلك سيعني حرباً سنية شيعية مفتوحة، وسيعني أيضاً تحول داعش الى حامية ومستقطبة للسنّة من المحيط الى الخليج، وستصبح الحرب بين أبو بكر البغدادي وقاسم سليماني، ولن يتمكن الأخير من هزم داعش التي ستكون، في حال تدخل طهران الشيعية، “أهل السنّة كلهم”.

لا بأس بالامبريالية إذاً! وقد طلب فعلاً نوري المالكي من جون كيري أن يتدخل الجيش الأميركي عبر قصف جوي لداعش في الموصل.

خطاب الممانعة هذه المرة أمام امتحان أكبر من ذاك الذي خضع له بعد زيارة البطريرك الراعي اسرائيل. في حينها أتاح حزب الله لهامشه غير الحزبي حملة محدودة، فيما ضرب هو صمتاً على الزيارة كان بمثابة قبول بها. وها هو الراعي اليوم وقد عاد بطريركاً للممانعة.

كل من تلتقي بهم من الديبلوماسيين الغربيين يقولون إن ايران تريد ضربة أميركية لداعش، وإن واشنطن متردّدة. أحدثت غزوة داعش المدن العراقية في الغرب وفي الشمال انقلاباً قيميّاً هائلاً. ها هي إيران تطلب من الولايات المتحدة الأميركية قصف مواقع داعش في الموصل وهل ستسمّي تدخلنا احتلالاً؟ وواشنطن المذهولة برؤية سيارات الهامر، التي زوّدت بها الجيش العراقي، يقودها اليوم مقاتلو داعش في الموصل، تعلّمت من تجربتها الأولى في بغداد. تريد خطاباً مرحِّباً بالمهمة، وتريد أن يكون جيشها جيش تحرير.

إذاً، فإن كيري طلب كرسياً على مائدة الممانعة. يريد أن يكون شريكاً في هذه اللعبة المغرية. هو يعرف أن هذا الخطاب ليس أكثر من قناع لحروب أهلية ولشقاق وشقاء واستبداد، ويعرف أيضاً أن أهمية الموصل لطهران تفوق أهمية القدس، وأن الصراع السنّي الشيعي في وعي كل أطراف النزاع يفوق بأهميته الصراع مع اسرائيل، ولهذا فقد حجز مقعداً هنا على هذه الطاولة، بعد أن أضناه الضجر على طاولة الصراع العربي الاسرائيلي.

هذه الوقائع جرت فعلاً في الأيام القليلة الفائتة. نعم، علينا أن نفرك أعيننا جيداً لنرى، وعلينا أن نعيد الاستماع لنصدّق. لكنها جرت، ومن الآن وصاعداً علينا أن نُطلق العنان لخيالنا، فربما أقدمت داعش على قصف اسرائيل، وربما وصلت قذائفها الى ما بعد بعد حيفا، وحينها علينا أن نتوقّع خطاباً ممانعاً مختلفاً، ذاك أن جون كيري اليوم على رأس المائدة، يجلس هناك، تماماً بين نوري المالكي وقاسم سليماني، وعندها سيصمت الجميع عن السؤال: هل ما قامت به داعش بقصفها اسرائيل إرهاب أم مقاومة؟

السابق
سعد الحريري التقى جون كيري
التالي
اصابة سوري وتوقيف اخر في زحلة لعدم امتثالهما لدورية أمنية