السيستاني لم يُفتِ بالجهاد

ليست المرة الاولى التي يكذب فيها السياسيون العراقيون. وليست المرة الاولى التي ينسب فيها السياسيون وفي مقدمهم الشيعة كلاما للمرجع الديني الاعلى السيد علي السيستاني لم يقله.

السيستاني اتخذ قرارا منذ نحو ثلاث سنوات برفض استقبال اي من السياسيين، لأنه وجد ان السياسيين العراقيين كثيرا ما استغلوا زياراتهم إليه للترويج للمواقف والسياسات التي يرغبها السياسيون انفسهم وبالتالي لووا نصائحه بطريقة تخدمهم. ورغم تحذير الساسة بالكف عن هذا السلوك إلا أنهم بقوا يحرفون نصائحه حسب مصالحهم وغاياتهم. وبالاجمال لم يلتزموا بتلك النصائح.
هكذا تعودنا من معظم السياسيين العراقيين، ولكن ان تبلغ بالسياسيين العراقيين الجرأة بأن يتقولوا على المرجع وينسبوا له فتوى في قضية جوهرية ومصيرية وفي ظرف حساس كالذي يمر به العراق حالياً فهذا شيء يفترض ان لا يتم السكوت عنه من قبل المرجعية. ونأمل من مكتبها ان يفضح هذا السلوك ويوضح إن ما قاله بعض السياسيين من ان المرجع الاعلى السيد السيستاني أصدر دعوة نفور عام ودعوة جهاد هو امر غير قائم، ولا صحة له على الاطلاق.
المؤكد أن المرجع الديني الاعلى دعا المواطنين الذين يتمكنون من حمل السلاح ومقاتلة الارهابيين دفاعاً عن بلدهم وشعبهم ومقدساتهم التطوع للانخراط في القوات الأمنية لمكافحة الإرهاب، وجاءت هذه الدعوة عبر خطبة الجمعة 13 حزيران (الجاري) في الصحن الحسيني في كربلاء التي القاها الشيخ عبد المهدي الكربلائي. ولم تتضمن الخطبة لا من قريب ولا من بعيد اي دعوة للجهاد او النفور، وانما تضمنت الخطبة التأكيد على ان العراق وشعبه يواجه تحدياً كبيراً، وخطراً عظيماً، وان الارهابيين لا يستهدفون السيطرة على بعض المحافظات كنينوى وصلاح الدين فقط. بل صرّحوا بأنهم يستهدفون جميعَ المحافظات، ولا سيما بغداد وكربلاء المقدسة والنجف الأشرف. فهم يستهدفون كُلَّ العراقيين وفي جميع مناطقهم، وطبيعة هذه المخاطر المحدقة بالعراق وشعبه في الوقت الحاضر تقتضي الدفاع عن هذا الوطن وأهله وأعراض مواطنيه، وهذا الدفاع واجب على المواطنين بالوجوب الكفائي (بمعنى ان من يتصدى له وكان فيه الكفاية بحيث يتحقق الغرض وهو حفظ العراق وشعبه ومقدساته يسقط عن الباقين) وتوضيح ذلك بمثال أنه إذا تصدى عشرة آلاف وتحقق الغرض منهم سقط عن الباقين فإن لم يتحقق وجب على البقية وهكذا. وقالت الخطبة ايضا إن من يضحي عن بلده وأهله فهو شهيد.
وعاد مكتب المرجع الاعلى ليوضح اربع نقاط في ما يخص مقولة (الدفاع واجب كفائي) وهي حرفيا كالآتي :
1 – ان التطوع للدفاع عن البلد والمقدسات في مواجهة الارهابيين انما يكون عبر الآليات الرسمية وبالتنسيق مع السلطات الحكومية.
2 – ان الموظفين وامثالهم يلزمهم مراجعة الجهات الرسمية ذات العلاقة في أمر تطوعهم.
3 – ان تحديد اعداد المطلوب تطوعهم انما يكون من قبل الجهات الرسمية ايضا.
4 – ان الدفاع وظيفة القادر على حمل السلاح المدرب على ذلك المتمكن من القيام بالمهام المطلوبة بصورة صحيحة وليس المطلوب زيادة السواد.
فأين دعوة النفور او الجهاد من هذا الكلام؟ فهل تضمنت الخطبة او التصريحات او البيانات الصادرة عن مكتب المرجع الاعلى أخيرا أي عنوان قريب او مرتبط بالجهاد او النفور؟
ولكن من اراد التجييش الطائفي فسر الخطبة والدعوة للتطوع للاجهزة الامنية والجيش بأنها دعوة للجهاد، وهذا ما جعل مصدرا مسؤولا في مكتب السيد السيستاني في النجف الاشرف يصرح: “بأن المرجعية الدينية العليا تناشد جميع المواطنين – ولا سيما في المناطق المختلطة – بأن يتحلّوا بأعلى درجات ضبط النفس في هذه الظروف الحرجة، وأن يعملوا على ما يشدّ من أواصر الالفة والمحبة بين مختـلف مكوّناتهم، وأن يبتعدوا عن أيّ تصرف ذي توجه قومي أو طائفي يسيء الى وحدة النسيج الوطني للشعب العراقي”.
فالمرجعية لم تدعُ الى النفور ولا إلى الجهاد ودعت للتطوع في القوات الامنية والعسكرية الرسمية وبما تحتاجه الاخيرة، وكل ما قيل عدا ذلك هو محض ادعاء على المرجعية التي يتطلب منها ان توضح مجددا موقفها وتفضح السياسيين اصحاب المآرب الذين يحرّفون كلامها، وان لا تكتفي بما أعلنه ممثلها في خطبة الجمعة الماضية 20 حزيران في كربلاء السيد احمد الصافي من أن دعوتها كانت “موجهة لجميع المواطنين من غير اختصاص بطائفة دون أخرى، وان هدف دعوتها الاستعداد والتهيؤ لمواجهة الجماعة التكفيرية المسماة بداعش”، وان دعوتها لم “تكن من منطلق طائفي ولا يمكن ان تكون كذلك”، وان المرجعية سبق ان وجهت الناس (لا تقولوا أخواننا السنة بل قولوا انفسنا).
مؤكد ان كل ما تناوله السيد الصافي ممثل المرجعية في خطبة الجمعة الاخيرة بهذا الخصوص كان ضروريا، وتشديده على ان دعوة المرجعية للتطوع جاء في اطار القوات الامنية الرسمية وليس لتشكيل ميليشيات مسلحة خارج القانون، ودعوتها للحكومة ان تمنع مظاهر التسلح غير القانونية، مهم جدا. ولكن مع ذلك يظل هناك حاجة الى التأكيد من جانبها على حقيقة أنها لم تفت بالجهاد ولا بالنفور.

السابق
إعلامي لبناني ملاحق ومتهم بقضية فساد. من هو؟!
التالي
مداهمات اخرى في بيروت ومحيطها