وُلِدتُ في عائلة سنّية…

ولدت في عائلة سنّية. سمعت والدي مرة واحدة فقط في حياته يقول إننا “حنفيون”.

طوال حياتي، لم أسمع قط أي فرد في عائلتنا أو أحداً من كبار السن في العائلة يقول إننا “سنّة”. تتحدّر عائلتي في الأصل من البلقان. وقد هاجرت إلى تركيا. كانوا أتقياء. ذهب جدّاي من جهة والدتي وجدّتي لوالدي إلى مكة لأداء الحج.
حتى الآونة الأخيرة، قبل أن تبدأ والدتي بإيجاد صعوبة في المشي بسبب الألم في ساقَيها، كانت تصلّي خمس مرات في اليوم. ومع ذلك، لا تزال تحاول أداء الصلاة خمس مرات.
طوال حياتنا، لم يكن المذهب الذي ننتمي إليه يُثير فضولنا. بعبارة أخرى، لم نعره قط اهتماماً.
بما أننا لم نكن نهتم لمذهبنا، لم نكن نبالي بطبيعة الحال إذا كان جارنا علوياً أو من دين مختلف. لم يكن هذا مهماً لنا.
كنا جميعنا نعيش معاً في حي كاهرامانلار في مدينة إزمير على بحر إيجه. طوال طفولتي، لم أشهد على شجار على خلفية دينية أو على أي نوع من الاستقطاب الديني. كانت طفولتنا في تركيا سعيدة.
ما زلنا نحافظ على صداقاتنا التي بنيناها في حيّنا القديم، وما زلنا غير فضوليين بشأن المذهب الذي ينتمي إليه الآخر.
لكن اليوم يحرّكني الفضول لإيجاد جواب عن هذا السؤال: في هذه الجغرافيا المعروفة بالشرق الأوسط، حيث يقع جزء كبير من بلادي، لماذا أصبحت “المذهبية” مهمة إلى هذه الدرجة؟
ولدي أيضاً فضول لمعرفة الجواب عن هذا السؤال: لماذا لا يستطيع الأشخاص الذين يتصرّفون باسم “المذهب السنّي” في هذه المنطقة، أن يؤسّسوا تياراً تعدّدياً ومتسامحاً وديموقراطياً؟
سأتوقّف عند الحالة المصرية. لم يستطع زعيم جماعة “الإخوان المسلمين” السنّية التي تدّعي أنها تعرّضت للقمع طوال سنوات، سوى الحصول على 25 في المئة من الأصوات في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية. ثم في الجولة الثانية، انتُخِب رئيساً بشق النفس بفضل التحالفات، وأول ما فعله كان إقامة نظام سلطوي قمعي.
وهناك الحالة العراقية. تقطع تنظيمات تتصرّف باسم السنّة، الرؤوس؛ وتفجّر في كل مكان.
وأتوقّف أيضاً عند الحالة في أفغانستان وبيشاور وسوريا…
أولئك الأشخاص الذين يأكلون أكباد البشر، ويقطعون الرؤوس، ويصوّرون هذه المشاهد في مقاطع فيديو ويوزّعونها على العالم بكل فخر هم جميعاً من السنّة.
وأصل إلى تركيا…
تحدّد الحكومة سياستها الداخلية والخارجية بالاستناد إلى المذهب السنّي. ترتدي عباءة سنية ثقيلة إلى درجة أنها تتهم قاضياً أصدر قراراً لا يروقها بأنه “علوي”.
حتى إن الحكومة تبني جسوراً سيعبرها كل المواطنين في هذا البلد، لكنها تطلق عليها أسماء توحي بالكبرياء والغطرسة السنّيتَين. اليوم، يقول المجتمع الدولي إن النظام الذي بناه باسم الإسلام السنّي يتّجه علناً نحو الشمولية والاستبداد.
أنا من عائلة سنّية. لم أفكّر يوماً، من هو السني ومن العلوي؟ لكن الآن أشعر بالفضول وأسال لماذا؟
من يدفعني إلى طرح هذا السؤال بهذه السن، ولماذا؟
هل هو المذهب الذي وُلدت فيه؟
أم أنهم السياسيون الذين يحاولون تشييد نصب شمولية استبدادية بالاستناد إلى ذلك المذهب؟ لا نتوهّمنّ أن الأمور تختلف لدى الآخرين…
لو ولدت في عائلة شيعية، وليس سنّية، لكنت طرحت الأسئلة عينها الآن، إنما عن المذهب الشيعي…

السابق
’خلطات شرعية’ للطلاب خلال الامتحانات
التالي
انفجار قنبلتين بدائيتين في مترو القاهرة