قهوة «ابو عسّاف» بالطيونة.. ذاكرة الشياح وبيروت اللامذهبية

قهوة ابو عسّاف
كيف استطاع ابن بلدة "شحور" الجنوبية "حسين عساف" المشهور بلقب "أبو عساف" منذ مراهقته أن يصبح هذه الشخصية الشعبية الجامعة؟

للذين يجهلون مقهى أبو عساف فإنّ روّاده من جميع مناطق وأحياء بيروت وضواحيها، ولا يعترف “أبو عساف” منذ أن افتتح مقهاه قبل عشرين عاماً تقريباً بالتفرقة الطائفيةّ والمذهبية. فالبيارتة وأهل الغبيري وشباب الشياح، هم روّاده الدائمين، تجمعهم مواضيع مختلفة بعيدة عن السياسة، مثل كرة القدم، وسباق الخيل، إضافة لحديث المصالح والأشغال وسائر الأمور الاجتماعية والترفيهية، مع أهل الطريق الجديدة وقصقص والبربير. 

فور وقوع التفجير الإرهابي في منطقة الطيونة، وبعد تواتر الأنباء أن السيارة الانتحارية كانت تستهدف مقهى “أبو عساف” الذي يقع على المدخل الشمالي لشارع هادي نصر الله، وبمبادرة عفويّة، انطلق عشرات الشبان من روّاد مقهى “نزيه” في الطريق الجديدة مقابل محطة الدّنا بتظاهرة سيّارة الى مقهى “أبو عساف” المنكوب في الطيونة، وأعلنوا تضامنهم معه وهتفوا بشعارات معاديّة للطائفية حامدين الله على سلامة جميع روّاده الذين نجوا من التفجير فلم يصب إلاّ بعضهم بجروح طفيفة.

وللذين يجهلون هذا المقهى، فإنّ روّاده من جميع مناطق وأحياء بيروت وضواحيها، ولا يعترف “أبو عساف” منذ أن افتتح مقهاه قبل عشرين عاماً تقريباً بالتفرقة الطائفيةّ والمذهبية. فالبيارتة وأهل الغبيري وشباب الشياح، هم روّاده الدائمين، تجمعهم مواضيع مختلفة بعيدة عن السياسة، مثل كرة القدم، وسباق الخيل، إضافة إلى حديث المصالح والأشغال وسائر الأمور الاجتماعية والترفيهية.

فكيف استطاع ابن بلدة “شحور” الجنوبية “حسين عساف” المشهور بلقب “أبو عساف” منذ مراهقته أن يصبح هذه الشخصية الشعبية الجامعة؟

لم يُكمل تعليمه “حسين”، النازح من بلدته الجنوبية إلى شارع “فتح الله” الشهير في البسطة منذ بداية ثمانينات القرن الفائت. فأمضى صباه يتعلّم مصلحة الحدادة، وصناعة الأبواب والنوافذ الحديدية. استأجر بعدها محلاً ذي بابين، الباب الأول يفتح على الشارع الرئيسي للبسطة التحتا الباشورة والباب الثاني يفتح عند مدخل شارع فتح الله الشمالي وذلك بحكم موقع محلّه الموجود على مفترق هذين الشارعين، فكتب لوحتين إعلانيتين ألصقهما على البابين، الأولى كتب عليها “محل أبو عساف للحدادة فرع أوّل” وعلى الباب الثاني كتب: “محل أبو عساف للحدادة فرع ثان، لدينا فرع أول في شارع البسطة التحتا”!!

هذه النكتة كانت سبب شهرة “أبو عساف” في البسطة وأحيائها لتتوالى بعدها سلسلة النكات والنهفات التي تروى عنه ويرويها لأصحابه في جلساته الخاصة. وأنا كاتب السطور هذه ساكن “البسطة” السابق كنت من بين الذين سمعوا وحضروا نهفات “أبو عساف”. أعرفه نصيراً للمقاومة وحزب الله منذ نشأته، ولكن دون أن يصبح عضوا منظما، ورغم التزامه الديني وحضور المناسبات الدينية التي يدعو إليها حزب الله، فهو بقي على شخصيته المرحة.

في زيارته مع ثلّة من الشباب المؤمن لعيادة أحد جرحى المقاومة في إحدى المستشفيات، لم يستطع أن يقاوم رغبته في التدخين، فنزل إلى مدخل المستشفى الرئيسي، وطلب من أحد أصدقائه أن يغطيه فلا يفضح أمره من قبل العاملين في المستشفى وأشعل “سيجارة” وما هي إلا لحظات وإذا بإحدى الممرضات منتصبة أمامه تلومه وتقرّعه، فما كان منه إلاّ أن هزّ رأسه موافقاً وقام بإلقاء سيجارته أرضاً ودهسها بحذائه. أثار هذا العمل غضب الممرّضة أكثر وارتفع صوتها بوجهه مدينة هذه الوقاحة. فما كان منه وهو الذي كان قد أخفى سيجارته بحركة فنيّة صعبة في راحة يده المغلقة، إلاّ أن عاد وفتح يده بسرعة ومجّ منها “شفطة” سريعة قائلاً: حاضر ستّنا مثل ما بدّك رجعناها للسيجارة! وذلك وسط ضحك من كان حاضراً في مدخل المستشفى من أصدقائه والزوّار!

منتصف التسعينيات افتتح “ابو عساف” بمساعدة أشقائه مقهاه بين مستديرتي الطيونة وشاتيلا نهاية الأوتوستراد الحديث الذي سمّي لاحقاً “اوتوستراد الشهيد هادي نصر الله”.

لم يمض وقت طويل حتى جذبت القهوة بسبب موقعها الاستراتيجي بين بيروت والضاحية الجنوبية روّاداً أصبحوا أوفياء لها يداومون على الحضور اليومي خصوصا اولئك الذين يعرفون “ابو عساف” شخصيا ويعرفون شخصيته المرحة والمقربة من الجميع. وكثيرون منهم يلتمون لمعرفة أخر أخبار حلبة “سباق الخيل”. ومن عمر الثمانين إلى عمر المراهقة، يجتمعون لشراب القهوة والشاي والتدخين ولعب الداما. واﻷهم أنها واحدة من مقاه قليلة تجمع الفقراء ومتوسطي الحال، والوحيدة في بيروت، وربما في لبنان كله، التي لم يفرق الصراع المذهبي بين روادها.

السابق
اعادة فتح الطريق أمام السيارات في الطيونة
التالي
الشهيد حدرج وضع مسدسا في رأس الانتحاري