لبنان في جبة ’سماحة السيد’؟*

اثبت حزب الله ان الحكومة اللبنانية غير قادرة على حماية قرار اصدرته لنقل موظف من مكان الى آخر وهي بالتالي عاجزة عن تنفيذ سياساتها في اي شأن لا يرضى به حزب الله، واثبت حزب المقاومة ايضا ان الجيش اللبناني لا يستطيع القيام بدوره الطبيعي وصار همّه حماية وحدته الداخلية التي تعرضت للاهتزاز في الآونة الاخيرة وهذه الوحدة هي المهمة الاولى في جدول اعمال قيادته.
موازين القوى رست اليوم على انتصار للمعارضة على المستوى التكتيكي. حزب الله يمسك بمدينة بيروت العاصمة بمطارها ومرفئها. وهي اصطفت الى جانب مناطق اخرى في قبضة سماحة السيد او في جبته، الجنوب بمحافظتيه وصولا الى البقاع الذي ينتظر ان يتم الامساك بكامل وسطه لربط طرفه الغربي بالشمالي والشرقي، بانتظار الاطباق على بقية الاراضي اللبنانية، بالقوة او باللين لا فرق المهم كسر المعادلة السياسية القائمة واعادة رسم معادلة سياسية جديدة عنوانها نقل لبنان الى المحور الايراني- السوري بالكامل، والتحضر الى الحرب الكبرى التي “ستغير وجه المنطقة” بهذا المعنى ليس من مجال للبحث في شؤون هامشية ترتبط بالفتنة المذهبية التي تجاوزها سماحة السيد ولم تعد تشغل باله.
معركة الجبل مساﺀ الاحد الفائت شكلت صدمة محدودة بحسب ما اظهرت المعطيات الميدانية، لقد صدم حزب الله بحجم القتلى غير المتوقع لعناصره الى جانب انه خسر احد قياداته العسكرية المهمة في هذه المواجهات، وبدا متكتما عن اسماﺀ قتلاه واستخدم وسيلة التعتيم النسبي على اعلان اسماﺀ من سقطوا، من دون ان يخل ذلك بمشاهد الاحتفال بالنصر في عشية ذلك اليوم سواﺀ في منطقة حي السلم وبعض الاحياﺀ الاخرى التي كانت تشهد استعراض المقاتلين واسلحتهم وذخيرتهم، ورغم محاولات بعض الحزبيين لجم توسع هذا المشهد الا انه لم يغب، رغم بعض الاسئلة الخائفة والخجولة التي تساﺀلت عن مبرر فتح حزب الله او الشيعة معركتين بهذا الحجم مع الطائفة الدرزية والسنة.
علما ان مرحلة جديدة انعكست على العلاقات بين الطوائف وبات اهالي بلدتي كيفون والقماطية من الشيعة في موقف الخائف والقلق من جيرانه شأن جيرانهم من ابناﺀ القرى المجاورة.
المشكلة ان حزب الله لا يريد الاقرار بان هناك ازمة مذهبية وطائفية تستعر رغم ان وسائل اعلامه باتت منبرا للقول ان شيئا من ذلك لم يحصل، فيما القيادات الشيعية الدينية وغير الدينية تبدو اما متبنية لهذه الوجهة او خائفة من الخروج على الغوغاﺀ التي تسيطر على المزاج الشيعي العام وعلى سطوة السلاح والمال في الشارع، او خائفة من عقاب. كما حصل للعلامة السيد علي الامين الذي اقتحم مكتبه في مدينة صور من قبل مسلحي حركة امل ثم اقيل من منصبه لانه زار مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني عشية معركة الثنائية الشيعية المقدسة ضد تيار المستقبل وحلفائه في بيروت.
ما قام به حزب الله اثار الخوف لدى معظم اللبنانيين سواﺀ الحليف منهم او الخصم، الحلفاﺀ الذين رأوا بأم اعينهم ماذا يمكن ان يحل بهم في حال اختلفوا مع الحزب، لذلك سارع العماد ميشال عون الى طمانة المسيحيين بالقول ان التفاهم الذي اجراه مع الحزب حمى المسيحيين. وكانه يقول لولا هذا التفاهم لكان المسيحيون اليوم في خطر شديد… وبالتالي لا امان من الحزب بلا تفاهم!
اما صدمة الخصوم فجعلتهم امام خيار المواجهة بمعناها العسكري والامني المفتوح، وهذا ما لا يبدو مقبولا حتى الآن، او الذهاب الى تسوية عنوانها النزول عند قرار سماحة السيد. اي دفع الجزية السياسية بالتسليم له بالقضايا الاستراتيجية للبلد، ولا ضير ان ينشغلوا بالحصص داخل السلطة وتقاسم المال العام والمصالح التي لا تضر بحسابات المقاومة ومتطلباتها، التي باتت حسابات استثنائية بعدما تحول جزﺀ كبير من لبنان حاضنا لقواعدها.
ما من خيار امام اللبنانيين في العمق وفي الجوهر الا التسليم بالخيارات الاستراتيجية لحزب الله او الذهاب، نحو نفق من المواجهات التي يبدو ان فرصها العسكرية مغلقة أمام الموالاة وان كانت فرصها السياسية مفتوحة على انجازات سياسية ولكن ليست سريعة!

*(نشر هذا النص في 15 أيّار 2008)

السابق
حكومة المالكي تفقد السيطرة على المعابر إلى سوريا والأردن
التالي
امتحانات «الثانوية»: غش وتجارة