أين التقت واشنطن وطهران في العراق وأين اختلفتا؟

لم يكن الملف العراقي في صلب المفاوضات بين ايران والاميركيين في فيينا، لكنه كان البداية، وربما ارتبط به مصير الجولة النووية الخامسة. في أول الأيام الخمسة، اختلى متولي الملفات الساخنة مع ايران نائب وزير الخارجية الاميركي وليم بيرنز ومستشار الأمن القومي لنائب الرئيس الاميركي جيك سوليفان وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف بعد لقاء ثلاثي سريع للايرانيين والاميركيين والاوروبيين في مقر البعثة الايرانية في فيينا، وجرى الحديث في اللقاء الثنائي عن العراق ومستقبل العلاقة بين البلدين في الأزمة العراقية. وعلى رغم اصرار الايرانيين على عدم وجود مثل هذا الحوار حتى الايام الأخيرة في فيينا ومحاولة الاميركيين تخفيف وطأته وقطع الطريق على الذهاب بعيداً في الخيال عن مستقبل العلاقة بين البلدين انطلاقا من هذه الأزمة، فإن الفريقين قاما بما ينبغي لتسريب الخبر، تثبيتاً على ما يبدو لقاعدة جديدة في العلاقات بينهما تهدف الى جعل لقاءاتهما العلنية أمراً طبيعياً، بدءاً من جنيف في 9 حزيران الجاري وصولا الى فيينا، وذلك بالاعلان عن هذه اللقاءات وان لم تثمر أي نتائج.
في كل الأحوال، قطع الطرفان شوطاً في الملف العراقي، ونتج من حوارهما بعض التفاهمات العامة، كالتطابق في وجهات النظر في رؤية كل منهما للخطر الذي يشكله تنظيم “الدولة الاسلامية في العراق والشام” (داعش) على الجميع في المنطقة من دون استثناء، بما فيهم دول الخليج النفطية واسرائيل، فضلاً طبعاً عن الدول المتحالفة مع ايران والتي تحولت مسرحاً لهجمات “داعش” اليوم. وتفيد معلومات مؤكدة، أن تفاهمات حصلت على تبادل المعلوات الأمنية عن تحركات “داعش” والمجموعات الجهادية الأخرى التي تدور في فلكها، ليس فقط في الساحة العراقية، بل أيضاً في جغرافية نشاطات المنظمة الارهابية في الدول المعنية.
لكن للتفاهمات حدوداً، ومن السابق لاوانه الحديث عن علاقة طبيعية، ذلك ان الامر سيقتصر في المرحلة الحالية على تعاون معلوماتي – أمني لمواجهة عدو مشترك .   والنقاش الذي قطع الطريق على تطور محتمل في هذه المرحلة للعلاقة بين الطرفين يتعلق بالتفاهم على الحل السياسي في العراق، إذ ترى واشنطن أن مفتاح الحل يبدأ بخروج المالكي من السلطة وتـأليف حكومة جديدة تضم الجميع، وبمعنى آخر يتقاسم فيها النفوذ كل من ايران والسعودية في رعاية اميركية، على أساس أن السعودية والجزء السني من العراق يرفضون يرفضان رفضاً قاطعاً استمرار المالكي “رجل ايران” في رئاسة الحكومة العراقية. وقد اقترح الاميركيون في فيينا الاتيان بشخصية شيعية يرضى عنها سنة العراق والسعودية، ورسا الاقتراح الاميركي أول الامر على ثلاثة اسماء: اياد علاوي وابرهيم الجعفري وعمار الحكيم، مع أفضلية خليجية للعلاوي (“النهار”، 18 حزيران 2014). لكن طهران ترفض في الوقت الحاضر الحديث عن أي “تغيير في السلطة العراقية وخصوصا المالكي”، والتخلي عنه في هذه المرحلة يعني من وجهة نظر ايرانية منح المجموعات الارهابية “جائزة تقدير لأعمالها بدل محاربتها”.
ومن جهة أخرى، ترى طهران أن تغيير السلطة تحت الضغط سيؤدي ليس فقط الى تقاسم النفوذ مع السعودية في العراق، بل الى خسارات متتالية لهذا النفوذ في مستقبل بلاد الرافدين. وعلى رغم عدم وجود أي ملاحظة من الجانب الايراني على كل من الجعفري والحكيم، فان وفد ايران بعث برسالة واضحة عبر بيرنز وسوليفان الى البيت الابيض مفادها أن المالكي مستمر في السلطة بقوة صناديق الاقتراع والشعب العراقي يقرر عبر الصناديق من يحكمه. وقد انزعج الاميركيون، استناداً إلى اوساط ديبلوماسية في فيينا، من موقف طهران “المتصلب”، وانعكس ذلك علناً في الكثير من التصريحات الاخيرة للناطقين باسم وزارة الخارجية الاميركية التي ركزت على أن “الحل يبدأ في العراق مع تأليف حكومة موسعة تضم جميع الاطراف”. وبعد اختتام مفاوضات فيينا، أكد أرفع المسؤولين في الوفد الاميركي المفاوض في جلسة الدردشة التقليدية مع الصحافيين أن “ايران يمكن أن تضطلع بدور في حل الأزمة العراقية بموافقتها على تأليف حكومة تضم الجميع”.
هل يعني هذا أن ما تم التوصل اليه من اتفاق تبادل المعلومات عن المجموعات الجهادية قد سقط؟ توضح المعلومات المتقاطعة أن الطرفين في حاجة الى تبادل المعلومات وإن لكليهما مصلحة في وقف تمدد المجموعات الارهابية، “لكن الخلاف السياسي على طبيعة السلطة في العراق يبقى عائقا أمام تطور العلاقة بين واشنطن وطهران ومن المؤكد أن يكون له انعكاس على النقاش النووي”.
السابق
من هي اللبنانية التي كرمها جون كيري؟
التالي
متى كانت سوريا ناجحة حتى تصير فاشلة؟