إيران وتركيا تتقاسمان ’العالم العربي المريض’

« مقص» سايكس – بيكو، لم يكن لينجح في تقطيع المنطقة وتقاسم خيراتها، لو لم تكن الامبراطورية العثمانية «الرجل المريض« في عالم القرن العشرين. الآن في القرن الواحد والعشرين، العالم العربي هو»الرجل المريض»، الذي يفتح شهية «الإمبراطوريات» المتشكلة والطموحة لتقاسمه وهي: إيران وتركيا وإسرائيل.

مرض العالم العربي، ليس طارئاً ولا جديداً. مظاهره ظهرت باكراً، مع بدايات تشكّل دوله، التي لم تصبح فعلاً «دولة المؤسسات»، فبقيت مجتمعات عشائرية وقبلية وطائفية ومذهبية، متناحرة ومتنافرة ومتحاربة، همّها الكبير تقاسم الثروات وسرقة المغانم. وقد تمدّد ذلك كله إلى «جسد» الأحزاب، وممّا رفع منسوب «المرض» أنّ الكثيرين اعتقدوا وساهموا في «عسكرة» الأنظمة، فتوالت الكوارث وتطوّر «المرض» حتى وصل الآن إلى هذه الحالة السرطانية.

«مُنظّر» تركيا الأردوغانية»، داوود أوغلو وزير الخارجية، منذ كان في الولايات المتحدة الأميركية كتب عن (العثمانية الجديدة)، في حين بلور زميله في النشاط الطلابي الإسلامي في بوسطن علي ولايتي مستشار المرشد آية الله علي خامنئي والمرشح للرئاسة رؤيته لـ«القوّة الصفوية« في أربعة مجلدات، نُشرت في طهران.

انفجار العراق، وقبله سوريا، كشفا طموحات تركيا وإيران، في تقاسم المشرق العربي نفوذاً وثروات، حتى ولو اقتضى ذلك إعادة رسمه على قاعدة مذهبية وعرقية. شاءت إيران وتركيا أم لم تشاءا، فإنّ احتضان كلّ منهما للحالة المذهبية بكل مخاطرها يجري بسرعة. تركيا ذهبت بعيداً في «اللعبة» إلى درجة التعامل مع الحالة الكردية الانفصالية كواقع قائم، رغم كل الخطر الذي يكمن فيها عليها على المدى الطويل. حالياً تجد تركيا في تقسيم العراق «دوفاكتو« أولاً وفعلياً لأقاليم ثلاثة مكسباً تاريخياً لها. القطاع السنّي، سيكون حُكماً تحت إشرافها الكامل، وهي حقّقت حلماً تاريخياً في استعادة الموصل ضمن هذا القطاع. أما الأكراد فقد حققوا طموحهم الكبير في الاستيلاء على كركوك، سواء تركيا أو إيران ستضطران للتعامل معهم بحذر شديد. تركيا أيضاً ستضع يدها «دوفاكتو« على الجزء المجاور لها من سوريا.

إيران، التي تحوّلت إلى جمهورية إسلامية وفشلت في تصدير الثورة إلى العالمَين العربي والإسلامي، توجّهت بقوّة نحو مذهبة مشروعها شيعياً، وكان نجاح تجربة «حزب الله«، حافزاً لها في هذا التوجّه. النظام الإيراني بكل أطيافه يريد إيران القوية وحتى «الكبرى»، التي تقبل واشنطن أولاً وأساساً إلى جانب موسكو، بها القوّة الإقليمية التي تمسك الأمن وترسم المسارات السياسية والاقتصادية بالمنطقة خصوصاً النفطية منها. الاختلاف بين القوى الإيرانية هو حول الوسائل. الأهم أنّ المرشد يعتقد أنّ نجاح مشروعه أصبح مضموناً حتى ولو على أشلاء العالم العربي. «الهلال الشيعي» أو أي اسم آخر، يكاد يتبلور. وهو يمتد من اللاذقية إلى حمص مروراً بحماة وصولاً إلى القصير فالبقاع الشمال فالغربي ومن ثم إلى الجنوب اللبناني فالجنوب العراقي فإيران وصولاً إلى أفغانستان وطبعاً «الشهيّة« الإيرانية ستكون طبيعية جداً باتجاه الكتلة الإسلامية في الجمهوريات الإسلامية الآسيوية.

يبقى لبنان. ضمن هذا الخط، لا يمكن إلاّ وأن تلحقه النار وتُحرق أجزاء منه وربما لا يبقى منه سوى قطاع يضم بيروت والجبلين خصوصاً إذا بقيت القوى السياسية مصرّة على الغرق إمّا في تنافسها أو في انتظار «الرموت كونترول« الخارجي. أمام لبنان فرصة لإنقاذ نفسه بسبب الرعاية الفرنسية والحماسة الأميركية له. فهل يتجاسر اللبنانيون على إمساك قدرهم ومستقبلهم ؟

لقد بذلت إيران الغالي والرخيص لإنجاح مشروعها، وهي الآن تعمل للتفاهم مع تركيا على عدم تحوّل التنافس بينهما إلى مواجهة. نفط العراق ثروة خيالية تُنهب وتُحرق منذ عقود. الآن سيكون لهما الثروة والقرار في السوق النفطية الدولية خصوصاً بالنسبة إلى إيران.

إما إسرائيل، فإنها لم تتخلَّ عن حلمها في قيام إسرائيل الكبرى. مشكلة إسرائيل أنّها في الوقت الذي أصبح فيه العرب في هذه الحالة المرضية ويسهل اقتناصهم تجد نفسها في مواجهة تركيا وإيران وهي غير قادرة على مواجهتهما لأنهما تركيا وإيران ولأنّ الولايات المتحدة لن تسمح بتجاوزها.

الجميع في خطر، فهل فات الأوان أم ما زال بإلامكان المواجهة والبداية في تشكيل «المركز»، من مصر والسعودية، من جهة، والعمل على إقناع واشنطن إنّها لو ربحت الباسفيك وتركت المنطقة في النار فإنها ستخسر لأنّ «الوليد» لذلك كله إرهاب أسود يجعل من أيلول مجرد «لعب أولاد»…

السابق
تقرير للمجلس الوطني للاعلام من 6 الحالي الى 12 منه
التالي
التدريب العسكري، الحصة الأولى