يوم في محكمة بيروت الشرعية: الدينُ عُسر؟

الزواج
عند زيارتي المحكمة الشرعية في بيروت اكتشفت كيف تكون الاجراءات الروتينية المعرقلة وكيف تتحول أبسط عملية الى عملية معقدة وصعبة تستهلك المواطنين وأعصابهم.

عند زيارتي المحكمة الشرعية في بيروت اكتشفت كيف تكون الاجراءات الروتينية المعرقلة وكيف تتحول أبسط عملية الى عملية معقدة وصعبة تستهلك المواطنين وأعصابهم.

رر صديقي أن يعقد قرانه على صديقته يوم السبت 14 حزيران. كان عليه إنجاز إخراج قيد إفرادي لها، إلاّ أنّ دوائر النفوس كانت مقفلة بسبب الإضرابات. لكنه استحصل على إخراج قيد خلال ساعة بعدما دفع مبلغاً مالياً لأحد الموظفين. صباح السبت رافقتُه وخطيبته إلى المحكمة الشرعية في الطريق الجديدة. وقد حمل المستندات المطلوبة كافة.

سلّم صديقي الاوراق المطلوبة الى الموظف المعني وبعد أن تفقدها الموظف بسرعة قال: “عليك الآن أن تذهب إلى مكتب المختار القريب لتحصل على طلب زواج”. ذهب صديقي لإحضار طلب الزواج وعندما عاد طلب منه الموظف نفسه مراجعة أحد المشايخ الذي تفحّص الأوراق وكتب على ورقة خاصة بالمحكمة وطلب من صديقي أن يذهب إلى قصر العدل لدفع مبلغ 12 ألف ل.ل. رسم زواج. لم نفهم لماذا كل هذه الاجراءات المعقدة ، لكن لا حل سوى الرضوخ والذهاب إلى قصر العدل، فدفعنا أجرة نقل توازي الرسوم المطلوبة.

في قصر العدل كان الازدحام شديداً لأن “السيستام” كان معطلاً ليومين. وقفنا بالصف، بانتظار الدور، لكن إحدى السيدات تجاوزتنا وطلبت من الموظفة الوحيدة الموجودة تمرير معاملتها. سألت الموظفة عن هذا السلوك فقالت: “إنها رئيسة قلم في المحكمة وقد أقفلت مكتبها لتدفع هذا الرسم”. بدا وكأننا عاطلين من العمل ولم نترك عملنا لندفع الرسوم أيضاً. بعد انتظار نصف ساعة حصلنا على الوصل وعدنا إلى المحكمة. سألت الشيخ الموظف عن هذا الإجراء الذي ينهك الموظفين، أجابني: “اسأل محمد الصفدي الذي أصدر هذا القرار ليتعب المواطنين، لكنه هو مرتاح في مكتبه”. بعدها طلب منّا الشيخ الذهاب إلى غرفة أخرى لكتابة عقد القران من جانب أحد الموظفين الذي كان يبدي استبانة من حفظ العمل، ولما سألته عن السبب، أجاب: إننا نجري معاملات للبنانيين والفلسطينيين والسوريين. أنهى كتاب العقد بعد نصف ساعة، لكن كان علينا انتظار القاضي، والجواب واحد: القاضي مشغول ولا نستطيع أن ندخل إلى غرفته ليوقع على العقود وعلينا انتظاره أن يستدعينا. انتظرنا قليلاً، بعدها حضر أحد الموظفين وطلب من الخاطبين والخاطبات دخول إحدى القاعات، اعتقدت  للحظة أن عقود الزواج ستتم بشكل جماعي، لأكتشف أنّ جمع الخاطبين هو لإلقاء محاضرة عليهم من قبل إحدى السيدات. المحاضرة كانت عن التفاهم بين الزوجين وأهمية أن تطيع المرأة زوجها، مشددة على الدور الاجتماعي النمطي المرسوم للمرأة ضمن الثقافة الشعبية الموروثة، تبعها أحد المشايخ الذي حاول تسليط الضوء على قدرة المرأة على العمل خارج المنزل وداخله في حين أن عقل الرجل “مقفل” لا يحتمل متابعة أعمال المنزل، منطلقاً من التقسيم الاجتماعي الموروث.

بعد ساعة من الانتظار ومراجعة الموظف أكثر من مرة، وقع القاضي العقد وطلب من صديقي وخطيبته مراجعة الشيخ المكلف إجراء عقد القران. هنا كانت المفاجأة، فالشيخ رفض عقد القران لأن المخطوبة  أتت من دون وكيل. فوجئت العروس وقالت له: “إنني أبلغ الخمسين من عمري، مطلّقة منذ سنوات فكيف أكون بحاجة إلى وكيل”. إلاّ ان جواب الشيخ كان حاسما: “لا زواج بدون وكيل”. أين والدك؟ أجابته: “والدي متوفي”. سألها وأين شقيقك؟ أجابت أنه في أميركا، عاد وسألها: “هل لديك أبناء ذكور؟”  أجابته نعم، ابني طالب في الجامعة وأنا مسؤولة عنه. لكنه قال: علينا سؤاله إذا كان موافقاً. تدخلت عندها، وقلت له لا يوجد نص مقدس يشترط وجود وكيل، وهذه المرأة عمرها فوق 18 عاماً وليست بحاجة إلى وكيل. أجابني ببرودة: “نعم ليس هناك نص شرعي، لكن اجتهاداً وحسب مذهب أبي حنيفة بحاجة إلى وكيل”. أجبته بطريقة عفوية: “لكنها من أتباع المذهب الشافعي”. عندها اتصل هاتفياً بأحد القضاة قبل أن يباشر بعقد القران.

هو يوم في المحكمة الشرعية التي تحولت كباقي المؤسسات والمراكز الدينية الى مكان لعرقلة حياة المواطنين عبر الاجراءات والطلبات في ظل رفض مطلق من شيوخ الدين مسلمين ومسيحيين لقانون مدني للأحوال الشخصية.

 

السابق
أين يختلف حزب الله عن داعش*؟
التالي
الحوت: ما يحصل نتيجة ذهاب حزب الله إلى سوريا