«داعش» يشعل الحنين الشيعي الى عودة اميركية!

أبتهج العراقيون شتاء 2011 بانسحاب آخر جندي أميركي بعد ثماني سنوات من احتلال العراق وإطاحة حكم البعث بزعامة الرئيس الراحل صدام حسين. وبلغت حدّة المبالغة بالابتهاج انذاك، ان أخذ شكل سعي الأطراف المختلفة الى احتكار فضل “طرد الغزاة المحتلين”. فحكومة رئيس الوزراء نوري المالكي أطلقت تسمية “يوم السيادة” على يوم الانسحاب، بل واستثمرتها في مناسبتين انتخابيتين، وأطلقت حملة دعائية واسعة امتلئت خلالها شوارع بغداد بملصقات اعلانية كتب عليها عبارة” شكرا للمفاوض العراقي”. اما على مستوى الجماعات التي حملت السلاح ضد القوات الامريكية، فقد اعتبرت ان مقاومتها هي من دفع الاميركيين للانسحاب. ويندرج ضمن تلك القائمة، جماعات “القاعدة” والتنظيمات السنية المختلفة، الى جانب تيار الصدر وجماعة “عصائب اهل الحق” وبقية القوى الشيعية المسلحة المرتبطة بإيران.

لكن المفارقة، ان بهجة ” الغطّاس” سرعان ما كذبتها مياه العنف والاقتتال الطائفي التي استمرت بوتيرة متصاعدة برغم الانسحاب الاميركي. بمعنى ان الجميع كان “يتوهم” ان اغلب اعمال العنف كانت نتيجة طبيعية لتواجد الجيش الاميركي في العراق، وكان يؤمل على نطاق واسع ان يضع خروجها حدا نهائيا لاستهداف جماعات “القاعدة” للمدنيين بذريعة تواجدهم قرب القوات الاميركية. لكن ذلك لم يحدث، بل وتصاعدت بوتيرة عالية بعد عام 2011، الاعمال الاجرامية التي ارتكبتها “القاعدة” والجماعات السنية الأخرى ضد الأسواق والمناطق السكنية ذات الاغلبية الشيعية. الامر الذي اعطى انطباعا مؤكدا لدى قطاعات شيعية واسعة من ان “القاعدة” ومشتقاتها تستهدف وجودهم بالصميم، وما كان قتالها ضد القوات الامريكية الا ذريعة للوصول مجددا الى السلطة.

نفس الرسالة المخيفة التي ارسلتها الجماعات السنية المتشددة، الى جمهور الشيعة، عشية الانسحاب الاميركي، ارسلتها الى جمهور السنّة، الاجراءات التي اتخذها المالكي ضد نائب رئيس الجمهورية السابق طارق الهاشمي وقيادات سنية اخرى واتهامهم بقضايا ارهاب، وقد فهم الجمهور السني عموما الرسالة على النحو التالي: “الشيعة ينفردون بنا بعد انسحاب الاميركيين”.

اليوم وبعد مرور ثلاث سنوات على الانسحاب الاميركي وما تلاها من تحولات دراماتيكية على المشهد السياسي والامني العراقي، تكللت بسقوط مدينة الموصل ومدن سنيّة اخرى بقضة “داعش” ووصول الجماعات المسلحة الى مشارف بغداد، يبدو “الندم” الشيعي على التمسك بخيار الانسحاب الاميركي حينذاك، اقرب لـ”سوء التصرف وقلة الحنكة” بنظر قطاعات واسعة من الشيعة العراقيين، خاص مع عدم تجهيز الجيش وعدم حصوله على قوة جوية جيدة. ولا يخفي كثير من الشيعة رغبتهم الاكيدة بالاستعانة بالولايات المتحدة الامريكية لوقف التقدم الملحوظ الذي تحرزه الجماعات السنية المسلحة، حتى ان حكومة  المالكي طلبت عبر وزير خارجيتها هوشيار زيباري رسميا من الولايات المتحدة التدخل في معركتها الاخيرة ضد الجماعات المسلحة و “داعش”.

بل ان الخطاب الاخير الذي القاء الرئيس الامريكي باراك اوباما حول العراق ورفضه التداخل المباشر فيه، ترك انطباعا لدى بعض الشيعة بان اميركا “تخذلهم” هذه المرة ايضا، مثلما فعلت في عام 1991، حين ثاروا ضد حكم الرئيس صدام حسين ولم تساعدهم على اطاحته.

السابق
علي حرب: لست من أصحاب المشاريع
التالي
بزي والعبدالله والانتخابات الرئاسية السورية