حزب الله والحسابات الخاطئة

إذا صحّ ما نُقِل عن الأمين العام لـ»حزب الله» السيّد حسن نصرالله، أنّ قتال الحزب في سوريا منعَ وصول «داعش» إلى لبنان، فإنّ ذلك يكون استمراراً لسياسة الهروب إلى الأمام التي اتّبَعها «حزب الله» عندما انصاع لطلب إيران القتالَ في سوريا.

قلبُ الحقائق هذا لا يؤدّي إلّا إلى مزيد من التورّط في الرمال السورية، ومزيد من الغرَق في النزاع المذهبي الذي سبّبته سياسة النفوذ الإيراني في العراق وسوريا ولبنان، والتي يدفع ثمنَها الشيعة العرب، الذين أصبحوا في مواجهة شاملة تموّلها إيران بالسلاح والمال، ويشارك فيها عراقيّون ولبنانيّون بدماء أبنائهم واستقرار بلدانهم. لم تكن المعلومات الأمنية التي وردت للقوى الأمنية قبل أيام حول وجود خطط لتفجيرات انتحارية، سوى رأس جبل الجليد، من ما يمكن أن يحصل في لبنان والمنطقة.

الأخطر أنّ هذه العمليات الإرهابية تمّ تخطيطها كي تستهدف شخصيات شيعية، أبرزُها رئيس مجلس النواب نبيه برّي والمدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم، وربّما يطاول الاستهداف آخرين، بفعل الحرب المذهبية المفتوحة في سوريا والعراق وربّما لبنان.

خطورة هذه الحرب المذهبية لا تترك كثيراً من الشكّ حول انتقال المنطقة إلى مرحلة جديدة ستشهد عنفاً ودَماً وفوضى، ولن يكون لبنان في منأى عنها، في ظلّ استمرار «حزب الله» في القتال في سوريا، واستمرار الحدود السائبة، وتعطيل عمل المؤسسات.

في الحسابات الخاطئة التي يراهن عليها «حزب الله»، عامل تهدئة داخليّ متمثّل بتفاهم بارد مع تيار «المستقبل» يقضي باستمرار عمل الحكومة والتمديد للمجلس النيابي، ورعاية القوى الأمنية والعسكرية، لكي تقوم بدورها في حماية الاستقرار، كلّ ذلك لكي يتفرّغ الحزب للقتال في سوريا، وربّما في العراق، وهذا في رأي المراقبين لا يعدو كونه مجرّد مهدّئ ظرفي لا يمكن أن يكون علاجاً، في ظلّ استمرار الأزمة السورية، وانتقال العراق الى أن يصبح ميداناً لمواجهة اكثر شراسة ووضوحاً بين الشيعة والسنّة.

تورّط «حزب الله» في سوريا وربّما في العراق، سيعني بداية حرب طويلة، لن تستطيع أيّ تهدئة داخلية أن تتلافى نتائجها، خصوصاً أنّ الحلّ الأمني الذي استُعمل بحدّه الأقصى، قد أصبح عاجزاً عن مجاراة نزعة التطرّف والإرهاب.

في معلومات للقوى الأمنية أنّ الموجة الثانية من السيارات المفخّخة التي يقودها انتحاريون قد بدأت، وفي المعلومات أيضاً أنّ الخلايا التي تحضّر لهذه الموجة، درسَت الواقع الميداني جيّداً، وهي تتّجه لانتقاء أهداف محدّدة، بنحوٍ يختلف عن الموجة الأولى التي ضربت شوارع الضاحية الجنوبية لبيروت.

من اللافت في هذا المجال أنّ فرع المعلومات الذي يجمع منذ فترة كثيراً من خيوط تحرّك هذه المجموعات، ومديرية المخابرات التي رصدت إشارات التحضير إلى المخططين والمنفّذين، توصّلا إلى خلاصات مفادُها أنّ فوضى من نوع مختلف قد بدأت، وأنّ ما جرى في العراق لن يكون معزولاً عن النزاع المذهبي الشامل الذي بدأ في المنطقة، ومن هنا يمكن تفسير تحرّك هذه المجموعات مباشرةً بعد سيطرة العشائر ومجموعات البعث والقوى المتطرّفة على وسط العراق.

من هنا يمكن فهم طبيعة المعركة المذهبية المقبلة التي سبَّبتها إيران، والتي أصبحت تدور على جبهة أوّلية ممتدّة من العراق إلى سوريا، مع ما يمكن أن تصل إليه من مناطق أخرى في حال احتدامها، حيث لن يكون لبنان في منأى عمّا يحصل. في مثل هذه الحال، سيكون السؤال: هل يستطيع التفاهم الشيعي ـ السنّي أن يحيّد لبنان عن النزاع في سوريا والعراق؟ وهل يكفي هذا التفاهم لصونِ الاستقرار؟

وما هي نتائج ما جرى في العراق على الاعتدال السنّي تحديداً في لبنان؟ وهل يستطيع هذا الاعتدال الصمود في حرب مذهبية طرفاها المتطرّفون من الجهتين؟ وإذا لم يستطع الصمود هل سيكون بإمكانه أن يؤمّن تفاهماً على تحييد لبنان، في وقتٍ تعلو لغة التطرّف إلى مداها الأقصى؟ وهل يعي حزب الله هذه الحقيقة، التي تُنبئ ببداية ظهور قوى لا تعترف بالدول الوطنية والكيانات والحدود؟.

سبقَ حزب الله الجميع إلى إزالة الحدود بين لبنان وسوريا بإسم الدفاع عن المقدّسات، لكنّ تطرّفاً آخر ما لبثَ أن دخل عبر الحدود الملغاة لينفّذ الأجندة نفسَها ولكن لأهداف مختلفة، فمتى سيأتي اليوم الذي يدرك حزب الله أنّه فتح باب جحيم نزاع مذهبي، عرفَ كيف يبدأه لكن لن يملك أداة إنهائه؟

السابق
عباس إبراهيم.. والمغامرة الممنوعة
التالي
إرهاب فارسي على الشعب العربي العراقي