أين يختلف حزب الله عن داعش*؟

لنطرح الأسئلة الصعبة. بالطبع المسدّسات في رؤوسنا كلّنا. لكن لا بدّ من بعض الجرأة: هل يتفوّق حزب الله على داعش أخلاقيا؟ المشارك في قتل الأطفال بالبراميل هل يتفوّق على من يريد تفجير حاجز هنا أو مدنيين هناك؟ الذي شارك في قتل 200 ألف مدني هل هو أفضل ممن يعدم المئات بلا رحمة؟ كأنّ هذه الأسئلة البديهية باتت محرّمة أو منسيّة في غمرة خوفنا من داعش. ثم من صنع داعش؟ ومن غذّى رغبة منسية في "قتل الشيعة"؟ ومن استدعى التطرّف؟ وأليس البادئ بالتطرّف هو أظلم؟

لنطرح الأسئلة الصعبة. بالطبع المسدّسات في رؤوسنا كلّنا. لكن لا بدّ من بعض الجرأة: هل يتفوّق حزب الله على داعش أخلاقيا؟ المشارك في قتل الأطفال بالبراميل هل يتفوّق على من يريد تفجير حاجز هنا أو مدنيين هناك؟ الذي شارك في قتل 200 ألف مدني هل هو أفضل ممن يعدم المئات بلا رحمة؟ كأنّ هذه الأسئلة البديهية باتت محرّمة أو منسيّة في غمرة خوفنا من داعش. ثم من صنع داعش؟ ومن غذّى رغبة منسية في “قتل الشيعة”؟ ومن استدعى التطرّف؟ وأليس البادي بالتطرّف هو أظلم؟

 

من أوّل دروس الإعلام أنّ قتل قطّة في المبنى الذي نسكنه سيشدّ انتباهنا أكثر من مقتل 20 رجلا وامرأة بإعصار في قارّة أخرى. هذا ليس درسا في الإعلام، بل هو درس في النفس البشرية.

أيضا يقرف الواحد منّا إذا رأى ذبابة على صحن طعامه، لكنّه يأكل لحما يشكّ 100 مرّة أنّه مغشوش وأنّ مطبخ المطعم، من حيث أتى، ربّما يكون أكثر وساخة من سلّة نفايات.

والحال هذه، يشمئزّ اللبناني، المناصر لحزب الله أكثر من غيره، من مشهد أشلاء جرحى وقتلى بسبب تفجير انتحاريّ في ضاحية بيروت الجنوبية أو في ضهر البيدر… لكنّه حين يرى أخبار قتل أطفال سوريا، أمثال حمزة الخطيب، يتصرّف كأنّها قطة لقت حتفها في كوكب آخر. لا يعنيه الأمر.

فما هذا؟ وأين الأخلاق؟ أليس متجاهل أخبار البراميل فوق رؤوس المدنيين، رجالا ونساءً وأطفالا، من صنف داعش نفسها؟ وأليس داعشيا من يستطيب مذاق الدماء على أسنان شاشته، طالما أنّها تقتل خصومه؟

 أبو بكر البغداديفي 9 نيسان 2013 أسّس داعش “أسامة بن لادن الجديد”، واسمه أبو بكر البغدادي القرشي الحسيني، بعدما كان زعيم تنظيم “دولة العراق الإسلامية”. داعش جاءت تجاوزا لأيمن الظواهري، خليفة بن لادن في “القاعدة”، وكانت إيذانا بنقل الجهاد إلى سوريا والعراق.

9 نيسان 2013، أي بعد ستة أشهر من إعلان “حزب الله” تدخّله العسكري العلني في قمع الحراك السوري، حين أعلن الوكيل الشرعي العام للإمام الخامنئي في لبنان، الشيخ محمد يزبك، رئيس “الهيئة الشرعية” في حزب الله، عن مقتل مسؤول عسكري رفيع في حزب الله داخل سوريا، هو علي حسين ناصيف، المعروف بـ”أبو عباس، وذلك في 8 تشرين الأول 2012.

هذا يسمح بالقول إنّ داعش كانت واحدة من استجابات البيئة السورية المقموعة بنيران حزب الله وجيش الأسد. هنا يأتيك من يناقش بأنّ “حزب الله لا يقتل مدنيين”، وأنّ “حزب الله يحمي خطوط إمداد المقاومة التي تقاتل إسرائيل”، وأنّ “حزب الله ليس متطرّفا”. وكلّ هذه التبريرات ليست حقيقية. وقائلها يعرف أنّها ليست حقيقية.

خصوم حزب الله يؤكّدون أنّه يقتل مدنيين. إذ يتّهمونه بقتل هاشم السلمان بدم بارد أمام السفارة الإيرانية. وهو الوحيد المتّهم بقتل الرئيس رفيق الحريري ومحاولة اغتيال الوزير بطرس حرب، هذا إذا لم يكن متّهما باغتيالات أخرى، وإذا لم نعد إلى مجازر إقليم التفاح ضدّ حركة “أمل” ومئات القيادات الشيوعية. تلك التي يتّهمه خصومه باغتيالها في الثمانينيات بقصد “تنظيف” الساحة من “المقاومة الوطنية” لاحتكارها تحت إشراف “السلاح الشيعي” المذهبي التابع لإيران.

ثم إنّ “حزب الله” لا يحمي خطوط إمداد مقاومة تقاتل إسرائيل. فهذه المقاومة، وحامي خطّ إمدادها، نظام الأسد، أعطيا ضمانات لإسرائيل بأنّ “المعركة في سوريا” حين انطلقت بوادر ثورة في أرياف سوريا وبعض مدنها. وبالتالي فإنّ قتال إسرائيل بات مشكوكا في “جديّته” و”جذريته”. فعلى ما يبدو المعركة ضدّ إسرائيل، التي لا يزيد عمرها عن 70 عاما، هي “مشكل صغير” أمام الثأر التاريخي الذي عمره 1400 عام ضدّ “يزيد وأحفاده”، بحسب رئيس وزراء العراق، الإيرانيّ الهوى والهوية، نوري المالكي.

حزب الله في سورياوالأهمّ أنّ “حزب الله هو حزب متطرّف” كما داعش. ألّا يعدم خصومه أمام الكاميرات لا يعني أنّه لا يفعل ذلك بلا كاميرات. حزب الله أكثر ذكاءً في تنفيذ تطرّفه. حزب الله يعتبر أنّ قتل الثائرين ضدّ حكم آل الأسد في سوريا ليس حراما. لا يجد معضلة أخلاقية في قتل مواطنين في بلد غير البلد الذي هو حزب يتألّف من بعض سكّانه. وبالتالي فهو مثل داعش: أجنبي في سوريا، مؤلّف من مقاتلين أجانب وصلوا إلى سوريا قبل تأسيس داعش، يشارك في قتل السوريين، يأتمر بأوامر “مذهبية”، يقتل مدنيين أو على الأقلّ يشارك في قتلهم أو يسكت عن قتلهم في أقلّ تقدير، ومثل داعش هو حزب يعتبر كلّ الكوكب كافرا وهو الوحيد الذي على حقّ وأنّ الكوكب كلّه سيدخل النار وعناصره وحدهم سيدخلون الجنّة.

فأين يختلف حزب الله عن داعش؟ هل يكفي ألا يصوّر فيديوات إعدام؟ هل يكفي أن يلصق “ستيكرز” المقاومة على الرشاشات التي بها يقتل السوريين؟ هل يكفي أن يشيح أنظار مناصريه عن البراميل المتفجّرة فوق رؤوس ما تبقى من مدنيين في سوريا؟ هل يكفي أن يكون الـ200 ألف قتيل رقم بعيد كي يكون تفجير سيّارة قريبة أكثر قسوة؟ وهل الناس سواسية كأسنان المشط، أم أنّ هناك فضل لشيعيّ على غيره بالمذهب؟ وهل الإنسان يساوي الإنسان أيّا كان مذهبه؟ أم أنّه يحقّ للحزب اللهي ما لا يحقّ لغيره، داخل لبنان وخارجه، في سوريا والعراق و”حيث يجب أن يكون فسيكون”؟ وهل علينا أن نختار بين داعشيّ يريد قتلنا لأنّنا لسنا متديّنين كفاية بالنسبة له، وبين داعشيّ مستعدّ لقتلنا (وقتل بعضنا) لأنّنا لا نريد أن نوافقه الرأي؟ وهل ميشال عون أقلّ داعشية حين هدّد الرئيس سعد الحريري بالقتل إذا لم ينتخبه رئيسا للجمهورية؟

أم أنّنا يجب أن نذهب إلى الدرجة صفر من الأخلاق وأن نقتنع بأنّ “البقاء للأقوى”، قتلا وتدميرا وتهجيرا، وأنّنا يجب أن نخضع لمنطق القوّة وليس لمنطق الحقّ والأخلاق؟

 

 

* هذا النصّ يسلّم جدلا بأنّ داعش ليست صناعة إيرانية – سورية، ويناقش من داخل المنطق الذي يسخر من الشعب السوري على اعتبار أنّ داعش “تعبير عن الثورة السورية”.

السابق
لعبة كيم كارداشيان
التالي
يوم في محكمة بيروت الشرعية: الدينُ عُسر؟