في الانحطاط..

إذا كان «الحكماء» في المنطقة على ذلك القدر من السوداوية والوضوح في التحذير من الفظاعات المنتظرة إذا ظلّ مسار الأمور على حاله في العراق، وفي سوريا بدرجة أقل (تصوروا؟!) فماذا بقي للمجانين فيها كي يقولوه؟!

تداعيات انحدارية لا قعر منظوراً لها. بل الواقع هو أن الهمم مُستنفرة على مداها، من أجل الحفر المستدام، بحيث إنه كلما رسا الوضع على هوّة، بدأ النكش مباشرة بحثاً عن واحدة أعمق منها! حتى صار المزاج العام بكليّته أسير عالم الغيب والرجاء، كما في تاريخ أيام الأوائل بحثاً عن أمان اللحظة وديمومتها طالما أن المعادلة العدمية ركبت على قوس الشياطين واستقرت: اليوم أحسن من الغد، والأمس أحسن من الموعدين معاً! وطالما أن محنة العقل بلغت ذراها، والإجازة القسرية التي أُعطيت له، صارت الآن مفتوحة وإلى أجل غير مُسمى! وطالما أن السياسة صارت أو تكاد نمطاً غريباً لا يجد نفسه إلا على الرفّ جنباً إلى جنب مع عدّة المتاحف الوطنية العظمى!

وبديهي القول (والفظاعة في البديهة نفسها) أن المنطقة العربية والإسلامية لم تشهد استقراراً معقولاً ودائماً على مرّ تاريخها، قبل الإسلام وبعده. وزادت ارتجاجاتها باضطراد مع الحملات الصليبية الأولى وبعدها مع هجمات المغول، ثم شهدت «استقراراً مضطرباً» (أي جزئي ونسبي وجامد.. فكرياً!) مع بدء السيطرة العثمانية في القرن السادس عشر، ثم ارتجّت مع ارتجاج العالم بأسره في الحرب العالمية الأولى، ورُسِمت خرائطها مثلما رُسمت خرائط أوروبا العتيقة تماماً بتاتاً.. ثم دخلت في فالق زلزالي مع التحدّي المصيري الذي شكّله ويشكّله المشروع اللصوصي الإسرائيلي.. لكن رغم ذلك كلّه، لم تصل هوّة الانحطاط الذاتي، المبلغ الذي وصلت إليه الآن!

والتوضيح يسبق شجاعة الادّعاء: «الانحطاط الذاتي» قصّة مختلفة تماماً عن الانحطاط الموضوعي. هذا متأتٍ عن تحدّيات فرضها الخارج على الداخل، أياً كانت طبيعة ذلك الخارج وهويته! لكن ذلك الذاتي مثل وصفه تماماً: متأتٍ عن تهافت يبدأ من الذات ويدور حول نفسه. يأكل وينمو ويشبّ على تغذية محلية ثم يذهب إلى التيه في مدار مليء بالهويات الغريبة والأهواء الأغرب!

.. زمن «الانحطاط الذاتي» هذا هو في زبدته وخلاصته وليد توليفة ولا أنحس: التكفير الديني رديف لممانعة تعتبر بشار الأسد رمزاً من رموزها ومنظِّراً في كيفية محاربة الإرهاب! والمالكي علماً من أعلامها ومنظِّراً في كيفية بناء الدول! والفتنة مشروعها الوحيد، وصولاً إلى افتراض «الشيطان الأكبر» احتياطاً استراتيجياً في صفوفها!

السابق
حريق كبير في سرايا الهرمل
التالي
عمالة الاطفال والاتجار بهم في لبنان: واقع كارثي