النضوج المبكر معضلة تواجه الأهل

ببراءة مصطنعة، سأل مايكل، البالغ للتو 7 سنين، ماذا يعني هذا الاسم المكتوب على لائحة إرشاد عند ناصية الطريق في لندن؟ وبما أن الأب كان يركّز اهتمامه على الطريق أمامه خلال قيادته السيارة فإنه لم ينتبه إلى اللائحة – محور السؤال – إلا متأخراً. لكنه عرف فوراً أن ابنه كان يلمّح إلى شيء ما بسؤاله، فقد كشفت بسمة خفية على شفاه مايكل أنه ليس بالبراءة التي يدّعيها. سأله ماذا قرأ على اللائحة التي أثارت فضوله، فأجابه بأنه قرأ شيئاً ما ينتهي بـ «سكس» (أو الجنس) لكنه لا يعرف المعنى.

عـــرف الأب ساعتئذ سبب سؤال ابنه الفــضولي. فقد كانت الإشارة تدل على الـــطريق المؤدية إلى مستشفى ضاحيـــة «ميدلسكس» في غرب لندن. لكن الابن واصـــل سؤاله الفضولي: ولكن لماذا يُقــال لهذه المنطقة ومستشفاها اسماً يتضمن «سكس»؟ لم يكن للوالد جواب غير القول إن هذه المنطقة في لندن تسمّى بهذا الاسم منذ زمن قديم.

أوصل الأب ابنه مايكل وإبنته ربيكا (10 سنين) إلى مدرستهما وأقفل عائداً إلى البيت. لكنه طوال الطريق لم يستطع أن يتوقّف عن التفكير في سؤال ابنه عن سبب إدخال كلمة «سكس» في اسم المنطقة. سارع إلى إبلاغ الأم بسؤال طفلهما، وأخذا يناقشان مسألة هل يمكن أن يعرف هذا الطفل معنى الكلمة التي يسأل عنها.

عاد مايكل إلى المنزل بعد انتهاء يومه الدراسي، ليواجه «تحقيقاً» على يد «التحري» – أمه. أخبرته أن والده أبلغها بسؤاله وهي تريد أن تعرف منه: ما هو «السكس» في رأيك؟ ابتسم الطفل وردّ سريعاً: أعرف بالطبع… السكس هو عندما تكون المرأة عارية.

مايكل لا يزال طفلاً بالتأكيد على رغم إجابته هذه، لكن فضوله في هذا الموضوع أثار قلق والديه من أن الأطفال في عمره ينجذبون، كما يبدو، إلى مواضيع لا يزال مبكراً أن يهتموا بها في سنهم هذه. مايكل، على الأرجح، كان يتحدّث في مثل هذه المواضيع مع رفاقه على مقاعد الدراسة، على رغم ترجيح عدم فهمهم الكامل لما يتحدّثون عنه. ولا شك أن فضولهم هذا مرتبط إلى حدّ كبير بجو المجتمع الذي يعيشون فيه، حيث الصور الإباحية تنتشر على الطرق ومحطات الأنفاق وعلى محطات توقف الباصات. كما تملأ مشاهد العري شاشات التلفزيونات وتفرض ذاتها فرضاً على صفحات برامج الألعاب في الألواح الرقمية المحمولة التي باتت شائعة بين الأطفال.

ويطرح مثل هذا الواقع سؤالاً مشروعاً سيواجهه يوماً ما أي أب وأم: متى يجب عليهما أن يفاتحا ابنهما أو ابنتهما بمواضيع البلوغ الجنسي؟ هل يجب ترك هذا الأمر على سجيته، بحيث يتعلّم الطفل مع مرور الوقت حين يبلغ سن المراهقة وينضج جنسياً، أم يجب استباق ذلك والبدء بتحضير الأطفال قبل بلوغهم؟ وإذا كان هذا الخيار الأخير هو المحبّذ، فإن السؤال يبقى حول السن التي يجب البدء فيها بتعليم الأطفال عن «السكس»، بحسب لغة مايكل.

ومادة «علم الجنس والعلاقات الجنسية» هي مادة إلزامية في المدارس البريطانية من عمر 11 سنة وما فوق. وتتضمن تعليم الأطفال عن «التكاثر، الجنس والصحة الجنسية»، لكنها «لا تروّج لبدء نشاط جنسي مبكر، ولا تحدد ميولاً جنسية محددة يجب إتباعها»، بحسب ما تقول توجيهات حكومية في شأن برامج التربية المعتمدة في المدارس. وعدم تحديد الميول الجنسية مرتبط برغبة الحكومة في ألا يتخذ قطاع التعليم موقفاً مسبقاً من موضوع الشذوذ، بحيث يُترك للطالب حرية اختيار نوع العلاقة التي يريدها عندما ينضج. ويلقى هذا الموقف اعتراضات من أوساط المتدينين من الطوائف كلها الذين يرغبون في أن يروّج التعليم الجنـسي لرابطة الزواج بين رجل وامرأة وليس بين أشخاص من الجنس ذاته.

وعلى رغم أن «مادة الجنس والعلاقات الجنسية» هي مادة إلزامية في المدارس البريطانية، إلا أن بعض فصولها يمكن للأهل أن يختاروا عدم مشاركة أطفالهم بها، إذا ما شعروا بأنها لا تناسب عمرهم أو لأسباب أخرى (قد تكون مرتبطة بتقاليد اجتماعية أو تعاليم دينية). والمدارس مرغمة بالقانون أن توفر مادة مكتوبة تُعطى مجاناً للأهل في خصوص المواد الجنسية التي ستُعطى لأولادهم خلال السنة الدراسية.

واستعداداً لهذا الأمر، أخذ والدا مايكل وربيكا نسخة من الإرشادات التعليمية التي تحدد الطريقة التي يجب أن يتعامل بها الأهل مع أطفالهم قبل بلوغهم سن النضج. وبحسب هذه الإرشادات فإن الردّ على أسئلة الأطفال الصغار جداً ليس صعباً: من أين يأتي الطفل؟ الجواب بسهولة: من بطن أمه. انتهت القصة. لكن المشكلة تبدأ عندما يطرح الأطفال أسئلة محددة بدءاً من سن الثامنة وما فوق. تقول الإرشادات: «يجب أن تردوا على أسئلتهم المحددة بأجوبة محددة وصريحة. سمّوا الأشياء باسمها الحقيقي، ولا تعطوها أسماء أخرى مخففة» بسبب الخجل من تسميتها.

نظر والدا الطفلين إلى لائحة الأسماء المفترض بهما أن يسمياها باسمها الحقيقي وأن يشرحاها لطفليهما. لائحة طويلة تشرح العلاقة الجنسية بأدق تفاصيلها، من الألف إلى الياء. نظرا إلى بعضهما بعضاً وقررا إرجاء البدء بالتعليم الجنسي لطفليهما إلى أن يكبرا قليلاً!

السابق
نيشان وجورج وسّوف يبيّضان سمعة ماهر الاسد
التالي
إسبانيا رابع بطل تصيبه “لعنة المونديال”