إحصاءات حوادث السير في لبنان عشوائية

لم تحتل السلامة على الطرق في لبنان الأولوية لدى الحكومات المتعاقبة منذ العام 1990، ما جعل مأساة حوادث المرور مسلسلاً شبه يومي، يحصد العديد من الضحايا بوتيرة تصاعدية، باستثناء بعض الفترات القصيرة التي لاقت الاهتمام الفردي على مستوى بعض الوزراء، نتيجة رد فعل على ازدياد أعداد الحوادث ساهم في الحد من ازديادها جزئياً. ومنذ ذلك الوقت لم توضع أي خطة استراتيجية لمعالجة هذه الأزمة على مستوى الحكومات، ما حدا بالوزارات المعنية إلى تقاذف المسؤوليات في تحديد اسباب ازدياد الحوادث وكيفية معالجتها.

يحتاج لبنان إلى نظم معلومات صحيحة لاستثمارها لاحقاً في تقويم عوامل الخطر وتحديد المسؤوليات، بهدف رسم السياسات وصوغ الإستراتيجيات والخطط الكفيلة بخفض أعداد ضحايا حوادث المرور في لبنان.
هناك ثلاث جهات في لبنان تتحدث عن إحصاءات حوادث السير، هي: قوى الأمن الداخلي، كإحصاءات رسمية لمجمل اعداد الحوادث التي ينتج منها ضحايا، الصليب الأحمر اللبناني، عن أعداد الإصابات الناتجة من الحوادث، والجمعيات الأهلية التي تتحدث عن أرقام تقديرية بناءً على تقارير منظمة الصحة العالمية.
يملك معظم البلدان، شكلاً أو آخر، من النظم الوطنية لجمع المعطيات المتعلقة بحوادث الطرق، باستخدام قواعد بيانات الشرطة أو المستشفى أو كليهما. أما في لبنان فتعتبر إحصاءات حوادث السير من الأمور التي تطرح إشكالية كبيرة، من خلال الفارق في الأرقام ما بين المعنيين بموضوع السلامة المرورية، ونظراً الى عدم وجود نظام وطني موحد لجمع المعلومات وتحليلها وإصدار الأرقام الدقيقة والموثوقة.
لا توجد إحصاءات منشورة عن حوادث السير في لبنان قبل العام 1980 في السجلات الرسمية، فموقع “اليازا” الإلكتروني ينشر إحصاءات يذكر أنها صادرة عن قوى الأمن الداخلي منذ العام 1980 حتى العام 2012، وهي إحصاءات حوادث السير وعدد الجرحى والقتلى لكل عام. وتشير الأرقام إلى إرتفاع كبير في عدد الحوادث والضحايا ما بين العامي 1980 (178 قتيلاً) و2013 (649 قتيلاً). “واللافت أنه لم يبدأ تسجيل المعلومات عن حوادث المرور بطريقة منظمة إلا في العام 1996، وحتى عام 2013 لا يزال يستعمل برنامج مايكروسوفت إيكسيل (MS Excel) في صورة شبه يدوية، إلا أن هذا البرنامج لم يستطع توفير سوى أبسط الإحصاءات الأساسية المتعلقة بالحوادث”، وفق أمين سر جمعية “اليازا” كامل ابرهيم. مثلاً، تشير تقديرات منظمة الصحة العالمية في تقريرها الصادر في العام 2013 الى سقوط 942 قتيلاً العام 2010، في حين يشير الرقم الرسمي اللبناني الصادر عن قوى الامن الداخلي الى 540 قتيلاً. علماً ان قوى الامن الداخلي لا تفتح تحقيقاً في الحوادث التي ينتج منها اصابات طفيفة، وتسجّل لدى احصاءات الصليب الاحمر اللبناني.

البيانات المعتمدة في لبنان
اذاً، كيف تصدر بيانات حوادث السير في لبنان؟ تُصدر المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي تقريراً سنوياً عن حوادث المرور في لبنان، التي نتجت منها أضرار جسدية ووفيّات فقط، وذلك بعدما يتم جمع المعلومات وتحليلها في مركز التحكم بالمرور، التابع لهيئة إدارة السير في وزارة الداخلية، وهو التقرير الوحيد الذي يصدر عن جهة رسمية لبنانية. ووفق ابرهيم (الذي أعدّ دراسة عن “نظم معلومات السلامة المرورية في لبنان وآفاق تطويرها” لجامعة القديس يوسف) “ان هذه الإحصاءات تبنى على جدول يومي بالوثائق الفورية، المكوّن من المعطيات الأولية لحوادث المرور التي أفادت بها غرف العمليات في قطعات قوى الأمن الداخلي، إلى وحدة الهيئة والأركان – شعبة الخدمة والعمليات، والتي بدورها تقوم بجمع الحوادث التي حصلت في الأربع والعشرين الساعة الأخيرة، تبدأ اعتباراً من السابعة صباحاً من اليوم الذي سبق. وبعد جمع المعلومات الأولية يتم إرسالها ضمن جدول بالوثائق الفورية إلى مركز التحكم المروري، الذي يعمل على إدخال المعلومات المستقاة من الجدول إلى برنامج مايكروسوفت إيكسيل (Microsoft Excel)، ويتضمن معلومات أولية عن الحوادث، يصدر عنها تقرير سنوي من 10 جداول، لا تتم الافادة منها فعلياً، الا بمعلومات عامة عن جنس الضحايا وجنسياتهم، الفئات العمرية، توقيت الحادث، مكان الحادث وفق المحافظات، اضافة الى نوع الآليات المتصادمة ومكان وجود المصابين جراء الحادث. وتشير في معظمها الى عدم تحديد مؤشرات كافية وواضحة لتحديد العوامل الرئيسة لحصول الحوادث، وتحديد المشكلات وايجاد الحلول. من هنا، ان القوى الامنية لا تفيد من هذه الاحصاءات لتطبيق القانون في الشكل العلمي المطلوب فتبقى المعالجات عشوائية، وهذا ما يفسّر زيادة أعداد الحوادث والضحايا في العشر السنوات الأخيرة”.
أما إحصاءات الصليب الأحمر فترتكز على عمليات الإسعاف التي تنفذها فرق الإسعاف الأولي في الصليب الأحمر اللبناني، وتدل إلى وجود نقص في تقدير عدد الإصابات الناتجة من حوادث السير في الإحصاءات الرسمية بنسبة قد تصل إلى 75 – 100%. ففي العام 2013 بلغ عدد الإصابات في حوادث السير التي عملت فرق الإسعاف والطوارئ على نقلها وإسعافها 11552 إصابة، من دون تحديد ما إذا كانت إصابات خطرة أم طفيفة. أما الرقم الرسمي فيشير إلى وقوع 6137 إصابة، بالإضافة إلى الإصابات التي لا يتم اسعافها من فرق الصليب الأحمر في المناطق البعيدة التي يتم نقلها إلى المستشفيات بواسطة الدفاع المدني أو الهيئات الصحية (الهيئة الصحية الإسلامية، كشافة الرسالة وغيرهما) إضافة إلى الإصابات في المخيمات الفلسطينية.

تفاوت في الارقام؟
لماذا هذا التفاوت في الارقام؟ وأين تكمن مشكلة الاحصاءات في لبنان؟ يقول ابرهيم لـ”النهار” ان الهدف من التحقيق في قوى الأمن الداخلي “قضائي بحت، ولتحديد المسؤوليات فقط، وليس لتحليل المعلومات وتحسين السلامة المرورية. اضافة الى ذلك، ثمة مشكلات أخرى تتعلق بعدم دقة الاحصاءات، وتكمن في إعتماد نظم المعلومات في شكل أساسي على الإفادة الفورية قبل انتهاء التحقيق، وليس على الإستمارات المعتمدة التي تسجّل فيها الوفيات التي تحصل بعد أيام من وقوع الحادث، إضاعة بعض الإستمارات أثناء نقلها من مفارز السير إلى مركز التحكم المروري، عدم الجديّة في تعبئة الاستمارة، وعدم مراقبة عمل رتباء التحقيق، عدم دمج كل المعلومات الصادرة عن الجهات المختلفة بحوادث السير في مرصد وطني متخصص بتحليل المعلومات المختلفة واصدار التقارير السنوية ووضعها في متناول الجميع. ومن المشكلات الاساسية ايضاً عدم وجود فريق عمل متخصص في المعلوماتية وتحليل البيانات ورسمها، النقص في عديد رتباء التحقيق في قوى الأمن الداخلي، والدورات التدريبية والتأهيلية، إضافة إلى العتاد اللازم، وعدم التنسيق ما بين الهيئات المختلفة”.
ويختم ابرهيم ان ثمة نقصاً فاضحاً في كيفية تحليل المعلومات، اذ اعتبره محدوداً وبناءً على برنامج Excel غير متطور، عدم الفصل ما بين الحوادث المميتة والاصابات الخطرة والطفيفة وفق الطرق الريفية والمدينية، عدم تحديد الأماكن عبر برنامج الـ GIS الغائب كلياً عن لبنان، والذي يسمح بتحديد الاماكن التي تتكرر عليها الحوادث أو ما يعرف بالنقاط السوداء، اعتماد التحليل في العديد من الحوادث على الإستنتاج الشخصي لفريق العمل في مركز التحكم، وعدم ذكر استعمال الخوذة الواقية لسائقي الدراجات النارية والهوائية، حزام الأمان، كرسي الأمان للأطفال وفحص كمية الكحول بالدم.

واقع السلامة المرورية

استمرار تسجيل الأرقام القياسية في عدد حوادث المرور، وبالتالي ارتفاع أعداد الضحايا.
غياب الإرادة السياسية لمعالجة أزمة حوادث المرور وجعل موضوع السلامة العامة من الأولويات.
عدم وجود هيئة قيادية تعنى بالسلامة المرورية.
غياب الخطط الإستراتيجية والسياسات للحد من الحوادث.
نقص كبير في مجال المعلومات الموثوقة والدقيقة.
عدم وجود مرصد متخصص بنظم معلومات السلامة المرورية.

بعض الارقام الصادمة

تشير احصاءات عام 2013 الى 129 قتيلاً بحوادث الدراجات النارية، وهي الاعلى الى الآن. أما عدد القتلى غير اللبنانيين فبلغ 36.6 في المئة من اجمالي عدد الضحايا، منهم 182 سورياً من اصل 649 ضحية.
وللمرة الاولى يصل عدد الاطفال القتلى لعمر 4 سنوات الى 24 قتيلاً. اما الفئة العمرية ما بين 15 و29 فتشكل حوالى 35 في المئة من عدد الضحايا (226 قتيلاً). اما النسبة المئوية لعدد القتلى المشاة فبلغت 43.3 في المئة، وهذا الرقم يعتبر من الاعلى عالمياً.

السابق
مسلحو ’داعش’ يستهدفون مصفاة النفط في بيجي بقذائف الهاون
التالي
شتائم واشتباك في برنامج الاتجاه المعاكس