تطبيع بين الحريري وجنبلاط والجمود يلفّ الرئاسة و«السلسلة»

“الجمهورية”: يطوي لبنان بعد أيام أسبوعَه الثالث من الشغور الرئاسي، ولم يسجّل بعد أيّ جديد يُخرج استحقاقَ انتخابات رئاسة الجمهورية من دائرة المراوحة والجمود، أو يؤشّر إلى حلحلةٍ في الملفّين التشريعي والحكومي. تتّجه الأنظار إلى باريس حيث سيلتقي فيها خلال الساعات المقبلة الرئيس سعد الحريري ورئيس “اللقاء الديموقراطي” النائب وليد جنبلاط الذي توجّه بعد ظهر أمس الى العاصمة الفرنسية يرافقه الوزير وائل ابو فاعور العائد من لقائه والحريري في المغرب.

وعلمت “الجمهورية” أنّ لقاء الحريري وأبوفاعور بدّد ما اعترى العلاقة الحريرية ـ الجنبلاطية من شوائب على اثر فشل انعقاد لقاءٍ بينهما في باريس قبل أسابيع، على رغم توجّه جنبلاط إليها لهذه الغاية. وعشيّة هذا اللقاء الذي طال انتظاره، توقّفت مصادر قريبة من جنبلاط عند إشارته الى معطيات جديدة أعادت الحديث عن فرَص داخلية جدّية لمقاربة الإستحقاق الرئاسي، وشكّلت معطىً جديداً قد يكون على علم به أو دبَّر له بالتفاهم مع رئيس مجلس النواب نبيه برّي، ونقله أبو فاعور إلى المغرب، ما أدّى الى حصول أوّل اتصال هاتفي بين الحريري وجنبلاط بعد قطيعة طويلة تبادلا خلالها رسائل سلبية. غير أنّ برّي أكّد أمام زوّاره أمس أن ليس هناك أيّ أفكار لديه وجنبلاط ليطرحاها في شأن الاستحقاق الرئاسي، وأكّد أنّه ليس في وارد طرح أيّ أفكار في ضوء بعض التجارب التي مرّ بها سابقاً، وأنّه يقف الآن في موقع “المتلقي” ومستعدّ للبحث في أيّ أفكار يتلقّاها.

وقد وصف ابو فاعور لقاءَه مع الحريري بأنه كان “ممتازاً”، وأكّد أنّ الآوان قد حان لتوقف هذا الرقص فوق حافة الهاوية، وآن الأوان لأن نسلك المسار الصحيح في الملف الإرهابي قبل أن تأتينا صدمات أخرى كصدمة “داعش”، وآن الآوان لتجاوز الخيارات الحادة، والوصول الى رئيس توافقي، ولهذا كان لكتلتِنا مرشّحٌ نعتقد أنّه يستوفي كلّ الشروط، ونأمل في أن ينال قبول جميع الأفرقاء”. قلق الراعي ووسط هذه الأجواء، علمت “الجمهورية” أنّ البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي قلقٌ جداً، بعدما لاحظ أنّ كلّ المبادرات التي يطلقها في شأن الاستحقاق الرئاسي لم تحقّق أيّ نتائج، فهو يسمع من الجميع كلاماً جميلاً ولا يرى ترجمة له. فتعطيل نصاب جلسات الانتخاب لا يزال مستمرّاً وتمترسُ المرشحين لا يزال قائماً، فيما الدول المؤثرة في هذا الملف مهتمّة بقضايا أخرى . وإذ يسأل الراعي في مجالسه الخاصة عمّا يمكن ان يفعله ليحصل انتخاب رئيس جمهورية جديد، تُطرَح أفكار عدة، منها: أوّلاًـ دعوة سفراء الدول الخمس الكبرى الى الاجتماع في بكركي لمناقشة الاستحقاق الرئاسي. ثانياـ دعوة سفراء إقليميين يمثلون دولاً محورية في المنطقة. ثالثاًـ التشاور مع القادة المسيحيين الأربعة الذين سبق لهم أن اجتمعوا برعاية البطريرك في 28 آذار الماضي. رابعاًـ دعوة اللجنة السياسية التي تضمّ ممثلين عن الأحزاب المارونية الأربعة: الكتائب، “القوات اللبنانية”، تيار “المردة” و”التيار الوطني الحر”. وفي المعلومات انّ الراعي لم يحسم بعد الخطوة التي سيتّخذها لأنّه ليس مستعداً لمبادرات جديدة قبل ضمان نجاحها. لكنّه عازمٌ في المطلق على اعتماد أيّ سبيل، بما في ذلك اللجوء الى الرأي العام لحضّ النواب والقوى السياسية على انتخاب رئيس جمهورية. وكان الراعي دعا أمس مجدداً إلى مبادرة شجاعة ومتجرّدة ومسؤولة للحلّ. مشدّداً على “أنّ هذه الصرخة يطلقها المسيحيون والمسلمون الذين يلتقون على محبّة مريم وتكريمها”. وأكّد أنّ الشعب اللبناني “لا يقبل إهمال نوّاب الأمة واجبَهم الأساسي بانتخاب رئيس للبلاد، ولا يرضى بانتهاك الدستور والميثاق الوطني بلا أيّ رادع ضمير، وبأن تُنتهَك بالتالي كرامة الشعب والوطن”. وقال في ختام احتفالات الذكرى السنوية الاولى لتكريس لبنان والشرق قلب مريم الطاهر: “لقد سئمنا جميعاً هذه الممارسة السياسية المنافية لكلّ الأصول الديموقراطية والدستورية والميثاقية”. قزّي في بكركي وكان الراعي استقبل أمس الأوّل وزير العمل سجعان قزي الذي كشفَ لاحقاً عن اتصالات سيُجريها البطريرك خلال 48 ساعة ليعرف مدى الفائدة من عقد اجتماعات بين المسيحيّين ومع قوى أخرى. ونفى وجود قطيعة بين القادة الموارنة، لكي يتصالحوا، وقال: “توجد بينهم خلافات سياسية ويناقشونها، علّهم يتفقون، وإنّنا مع كلّ لقاء يؤدّي الى نتيجة”.

وفيما يشارك رئيس الحكومة تمام سلام في جلستي الانتخاب بعد غدٍ الاربعاء، والتشريع الخميس، قالت مصادره لـ”الجمهورية” أمس أنْ لا جلسة لمجلس الوزراء هذا الأسبوع، لأنّ الإتصالات التي يجريها لم تُحقّق النتائج الإيجابية التي تحدّد الآلية النهائية لعمله بعد انتقال صلاحيات رئيس الجمهورية إليه وكالةً. واعتبرت المصادر أنّ الدعوة الى الجلسة باتت مرهونة بالتفاهم على الآلية التي خضعت حتى اليوم لمناقشات دقيقة في ثلاث جلسات لمجلس الوزراء، عدا عن اللقاءات الفردية التي عقدها سلام مع الوزراء من مختلف الكتل النيابية. ولفتت الى أنّ مواقف البعض تتجاهل ما لرئيس الحكومة من صلاحيات واضحة وصريحة قبل انتقال صلاحيات رئيس الجمهورية التي فرَضت مسؤوليات أكبر على رئيس الحكومة، وإنّ تطبيقها لا يدفع إلى تجاهل ما كان في يده منها”. وأكّدت المصادر “أنّ سلام لم يتمنَّ يوماً أن تُضاف هذه المسؤوليات الى ما لديه من أعباء. ولو انتُخِب رئيس جمهورية جديد ضمن المهلة الدستورية لما كان هناك ايّ جدل حول الموضوع. أمّا وقد فُرضت هذه المسؤوليات فسيكون مضطراً إلى ممارستها ومعه جميع الوزراء في حكومة جامعة تمثّلت فيها معظم الأطراف في لبنان ولم يُستثنَ منهم إلّا مَن إستثنى نفسَه، والمسؤولية تقع على عاتق الجميع، فالبلد انطلق مع حكومة “المصلحة الوطنية” في ورَش إدارية وأمنية، ولا يجوز السعي إلى فرملتها أو عرقلتها، في وقتٍ فرَضت التطوّرات الإقليمية أعباءً إضافية، وكأنّه لا يكفي لبنان ما ألقت عليه أزمة اللاجئين السوريين والفلسطينيين الفارّين من جحيم سوريا من تبعات ومسؤوليات أمنية وسياسية. وتجدر الإشارة الى أنّ سلام سيلتقي صباح اليوم نظيره الإيرلندي الذي يزور لبنان لتفقّد وحدات بلاده العاملة في القوات الدولية المعزّزة في الجنوب.

وأكّدت مصادر سلام انّ مواقفه من القوات الدولية ودورها مُعلنة، وهي تكرّس التزام لبنان كلّ القرارات الدولية التي تعنيه في مجالات كثيرة ولا يمكن التلاعب بها أو تجاهلها، نظراً لأهميتها في تكريس الأمن الذي بقي مفقوداً لفترات طويلة في جنوب لبنان. المشنوق في الموازاة، كان لوزير الداخلية نهاد المشنوق موقفٌ لافت في شأن صلاحيات رئيس الحكومة، فقال: “لا يعتقدَنَّ أحد أنّ في إمكانه من خلال تعطيل مجلس الوزراء أو مجلس النواب أن يأتي برئيس للجمهورية، فعملية التعطيل تعطّل الجمهورية”. وأشار إلى أنّه “لن يسمح بالتطاول على صلاحيات رئاسة الوزراء”، مؤكّداً “أنّ رئيس الحكومة تمّام سلام لم يُقصّر للحظة واحدة في صلاحياته”، مضيفاً “أنّ مَن يملك القلم للتوقيع ليس في حاجة إلى رفع الصوت عاليا”. وهاجمَ المشنوق الذين خطفوا أحدَ أبناء بلدة رأس بعلبك في جرود عرسال، معتبراً أن “لا صلاتهم ولا لِحاهم ولا شريعتهم تعطيهم حقّ الاعتداء على أهل رأس بعلبك أو على أيّ لبناني من أيّ طائفة كان”.

مؤكّداً أنّه “لن يدع وسيلة إلّا وسيعمل عليها لتحرير الرجل المخطوف”. حركة ساحة النجمة وفيما تستقطب ساحة النجمة حركة نيابية لافتة وسط التحضيرات لجلستي الأربعاء والخميس، على رغم غياب المؤشّرات إلى اكتمال نصابهما، إلّا أنّها ستفتقد وساحةَ رياض الصلح مظاهرَ الإحتجاج التي قادتها الحركة النقابية طوال الأسابيع الماضية، بما فيها هيئة التنسيق النقابية التي تطالب بسلسلة الرتب والرواتب، وأساتذة الجامعة اللبنانية الذين يطالبون بالتفرّغ، بعدما انصرفوا إلى المشاركة في التحضير لتنظيم الإمتحانات الرسمية ومراقبتها في المرحلتين الثانوية والجامعية، في ظلّ التهديد المتمادي بوقف أعمال التصحيح ما لم تقَرّ السلسلة ضمن هذه المهلة الفاصلة بين انتهاء الإمتحانات وبدء التصحيح تمهيداً لفرز النتائج. وإزاء جلسة السلسلة الخميس، قال مصدر وزاريّ يواكب الإتصالات بحثاً عن موراد لهذه السلسلة لـ”الجمهورية”: “إنّ غياب أيّ معطيات توحي بإمكان طرح مخارج وحلول للمأزق المالي، وصعوبة تحديد كلفة السلسلة سيبقيانها موضع تشكيك مستمرّ بالقدرة على توفير تمويلها بعيداً من مخاوف اهتزاز الوضع المالي في البلاد.

السابق
محمد أكرم بقاعي: متفوق فلسطيني من لبنان
التالي
التداعيات العراقية: تسريع إنتخاب الرئيس ونصرالله يمهّد للتدخّل في العراق