الراعي دعا المعنيين الى مبادرة شجاعة ومتجردة لانتخاب رئيس

ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي قداسا احتفاليا في بازيليك سيدة لبنان – حريصا، لمناسبة اختتام احتفالات الذكرى السنوية الاولى لتكريس لبنان والشرق لقلب مريم الطاهر، بدعوة من مزار سيدة لبنان – حريصا ورابطة الاخويات في لبنان ولجنتي الجماعات المريمية والحركة الكهنوتية المريمية، بمشاركة السفير البابوي المونسينيور غبريال كاتشيا، بطريرك السريان الكاثوليك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان، بطريرك الارمن الكاثوليك نرسيس بدروس التاسع عشر، اعضاء مجلس البطاركة والاساقفة الكاثوليك في لبنان ولفيف من الكهنة، الامين العام لمجلس بطاركة الشرق الكاثوليك الاب خليل علوان، في حضور قائمقام كسروان – الفتوح جوزيف منصور، وفود شعبية من مختلف المناطق ورابطة الاخويات والجماعات المريمية من المؤمنين.

في بداية القداس، ألقى رئيس مزار سيدة لبنان – حريصا الاب يونان عبيد كلمة قال فيها: “بإسم جماعة الآباء في المزار، ورابطة الأخويات ولجنة الجماعات المريمية والحركة الكهنوتية، أرحب بأصحاب الغبطة مار بشارة بطرس الراعي، ماراغناطيوس يوسف الثالث يونان، الكاثوليكوس نرسيس بدروس التاسع عشر، بسعادة السفير البابوي غبريال غاتشيا، بالسادة المطارنة ، بالكهنة والراهبات وبكل المقامات والجماعات والأخويات الرسولية المريمية و بكم إخوتي وأخواتي”.

وقال: “ما أجملنا اليوم مجتمعين سوية، بقلب واحد وروح واحدة، تحت نظر العذراء مريم سيدة لبنان، نجدد إنتماءنا ليسوع وتكرسنا لمريم. منذ سنة، وعلى أثر ترميم البازيليك، كرس صاحب الغبطة والنيافة مار بشارة بطرس الراعي مع البطاركة والسادة الأساقفة، “لبنان” لقلب مريم الطاهر. ولم تمض أيام حتى تألفت الحكومة السلامية، بعد شغور دام عشرة أشهر”.

أضاف: “اليوم، نحتفل بذكرى مرور سنة على التكريس، والواقع لحسن حظنا في أحد الثالوث الأقدس الآب والإبن والروح القدس، ومعناه بكلمات واضحة وبسيطة: أن يكون الواحد في الآخر، أن يكون الواحد للآخر، وأن يكون الواحد مع الآخر” آملين على ضؤ هذا الإحتفال “أن يكون عندنا رئيس للبلاد ولا يكون هناك شغور. لذا أسمح لنفسي أن أتلو هذا الدعاء بإسمكم: “إمنحنا اللهم أن نكون لديك واحدا، كما دعينا برجاء دعوتنا الواحد. لأن إيماننا واحد، ومعموديتنا واحدة، وتكرسنا المريمي واحد، والله أبا كلنا واحد. و هو فينا ويعمل بنا ما يحسن دوما لمشيئته. لنكون جميعا أبناء بيت الله ومدينة القديسين. له سبحانه عز وجل، المجد في كنيسته، بيسوع المسيح وبروحه القدوس المحيي. ويا سيدة لبنان: منذ البشارة والصليب، والقيامة، صرت أم الله وأمنا. بنوتنا لك قربى أبدية أرادها الله، لتكمل في السماء، لبهاء مجده. ومجدك أنت، يا أقدس أم لا يكمل إلا بنا، نحن أبناءك. فأسكني عمرنا، وحوليه يوما بعد يوم، نحو السماء”.

وختم: “أخيرا، أجدد شكري لحضوركم فردا فردا، جماعة جماعة، شكرا ل “تلي لوميار”، التي تشاركنا في نقل هذا الحدث، ولكل وسائل الإعلام، والشكر الأخير لجوقة المزار. قداس مبارك وتكريس مبارك”.

العظة

ثم ألقى الراعي عظة بعنوان: “إذهبوا: تلمذوا كل الأمم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس” (متى28: 19)، ومما جاء فيها: “يسعدنا أن نلتقي في بازيليك سيدة لبنان – حريصا، بين يدي أمنا مريم العذراء، لأربع غايات: لنحتفل بعيد الثالوث الأقدس، الآب والابن والروح القدس، الإله الواحد في الجوهر، ولنجدد تكريس لبنان وبلدان الشرق الأوسط لقلب مريم الطاهر، من بعد أن احتفلنا بالتكريس الأول في مثل هذا اليوم من السنة الماضية، ولنرفع ذبيحة الشكر لله الذي حمى بنعمة عنايته وطننا من المخاطر الصعبة، بفضل تشفع أمنا مريم وقديسينا المتلألئين في مجد السماء، ولنلتزم بالرسالة التي أوكلها الرب يسوع إلى الكنيسة وإلينا: “إذهبوا وتلمذوا كل الأمم، وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس، وعلموهم كل ما أوصيتكم به. وها أنا معكم طول الأيام إلى نهاية العالم” (متى 28: 19-20). إننا نحتفل بعيد الثالوث الأقدس: “الآب الذي أحبنا وخلقنا، والابن الذي أحبنا وخلصنا، والروح القدس الذي أحبنا وقدسنا. فنسجد ونسبح، ونمجد ونشكر الإله الواحد المثلث الأقانيم، الله المحبة. وندرك في هذا اليوم أننا شعب المحبة، كما يدعونا الرسول يوحنا الحبيب: “الله محبة. من ثبت في المحبة ثبت في الله، وثبت الله فيه” (1يو4: 16).

أضاف: “سر الثالوث الأقدس هو سر الشركة والمحبة ومحور الإيمان والحياة المسيحية. والمسيحيون مدعوون للمشاركة في حياة الثالوث السعيدة: فينفتحون على محبة الآب التي تظللهم، وعلى نعمة الابن التي تخلصهم، وعلى عطية الروح القدس الذي يحقق فيهم ثمار الفداء ويقدسهم. هذا ما ينبغي أن نتذكره في كل مرة نرسم إشارة الصليب أكان في بداية أي عمل، أم في نهايته، فيأتي كل شيء تمجيدا لله الواحد والثالوث.
ليس الثالوث بعيدا عنا، بل يجعل سكناه في قلب كل مؤمن ومؤمنة يحب المسيح ويحفظ كلامه ووصاياه، كما أوضح الرب في الإنجيل: “من يحبني يحفظ كلمتي، أنا أحبه وأبي يحبه، وإليه نأتي، وعنده نجعل لنا منزلا” (يو14: 23). نكرس اليوم من جديد لقلب مريم الطاهر “وطننا لبنان وبلدان الشرق الأوسط، ملتمسين الخلاص الروحي والزمني لشعوبها، والسلام والاستقرار فيها، ونهاية الحرب والعنف والإرهاب على أرضها. يأتي تجديد التكريس هذا بعد سنة توالى فيها فعل التكريس شهريا على يد جماعات من المؤمنين كانت تلتقي في هذا المعبد المقدس، وبعد تساعية إستعدادية بدأت في الخامس من الجاري وختمت بمسيرة صلاة وتوبة ليلة أمس، من ساحة بكركي إلى هذا المعبد، وتلاها سجود للقربان الأقدس طوال الليل على نية لبنان، وبخاصة من أجل انتخاب رئيس جديد للجمهورية. إن الشعب اللبناني يشكو همه أمام أمنا السماوية، فهو لا يقبل بأي شكل إهمال نواب الأمة واجبهم الأساسي بانتخاب رئيس للبلاد، ولا يرضى بأن ينتهك الدستور والميثاق الوطني من دون أي رادع ضمير، وبأن تنتهك بالتالي كرامة الشعب والوطن. لقد سئمنا كلنا هذه الممارسة السياسية المنافية لكل الأصول الديموقراطية والدستورية والميثاقية. وإننا من جديد ندعو المعنيين إلى مبادرة للحل شجاعة ومتجردة ومسؤولة. إن هذه الصرخة ترفع من المسيحيين والمسلمين الذين يلتقون على محبة مريم وتكريمها”.

أضاف: “إن تكريس لبنان والمنطقة ، يبدأ أولا بتكريس ذواتنا لله على يد أمنا مريم العذراء، فنلتزم بحياة مسيحية صالحة، بعيدة عن حالة الخطيئة، وغنية بالنعمة الإلهية. نكرس عقولنا للحقيقة وننقيها من كل كذب وضلال واحتيال، ونكرس إرادتنا للخير، وننقيها من كل ميل إلى الشر، ونكرس قلوبنا للمحبة، وننقيها من كل حقد وبغض وعداوة”.

وتابع: “نكرس عائلاتنا لكي تظل “كنائس بيتية” تعلم الصلاة وتنقل الإيمان من جيل إلى جيل؛ “ومدارس طبيعية” للتربية على القيم الإنسانية والأخلاقية، و”خلايا حية للمجتمع” يولد منها مواطنون مخلصون، منفتحون على روح الأخوة والترابط والتضامن؛ ومشاتل للدعوات المقدسة، للحياة المكرسة والكهنوت.
نكرس أبرشياتنا ورعايانا، على يد أساقفتها وكهنتها، لكي تتجلى فيها كنيسة المسيح، كعلامةٍ وأداة لحضور الله الخلاصي في العالم، فيبدد، من خلالها، نور المسيح، ظلمات الخطيئة والشر والفساد”.

واضاف: “إن فعل التكريس، الذي نحتفل بتجديده اليوم، ينبغي أن نواصله كل يوم، فنتبنى شعار القديس البابا يوحنا بولس الثاني في تكريس ذاته للعذراء، الذي استمد منه كل القوة والنور حتى آخر نسمة من حياته: “كلي لك”.

وقال: “لقد وضعت الحركة الكهنوتية المريمية، لهذه السنة، مشكورة، كتيبا بعنوان “لبنان أكثر من وطن، إنه رسالة”، لإحياء الذكرى السنوية الأولى لتكريس لبنان والشرق لقلب مريم الطاهر. وفيه نماذج عن أفعال التكريس التي دعونا إليها”.

وتابع: “يذكرنا هذا الكتيب بأن التكريس لقلب مريم الطاهر مطلب من سيدتنا مريم العذراء نفسها في ظهوراتها في بلدة فاطيما بالبرتغال لثلاثة رعيان صغار. وقد ظهرت شهريا ست مرات من 13 أيار إلى 13 تشرين الأول 1917. فبعد أن حذرت من خطرين كبيرين: هلاك نفوس كثيرة بسبب موجة الإلحاد والخطيئة والشر، من دون أي توبة، وسير البشرية نحو تدمير ذاتها بذاتها بالحروب، قالت في ظهور 13 تموز 1917: من أجل تجنب الهلاك الأبدي والحروب، يريد الله أن يصير في العالم تعبد لقلبي الطاهر… تكرسوا إذن لقلبي الطاهر، فتخلصوا”. ثم في آخر ظهورٍ لها في 13 تشرين الأول 1917، قالت للأولاد الثلاثة: لقد أتيت من مكان بعيد، بعيد، بعيد جدا، لأطلب منكم أن تصلوا الوردية مرارا كل يوم، وأن تبدلوا سيرتكم”.

وقال: “هذا النداء أرادته أمنا مريم العذراء لكل “المؤمنين والمؤمنات كسلاح روحي جديد. وقد تقبله القديس البابا يوحنا بولس الثاني بشكل مميز، وبخاصة عندما أنقذته سيدة فاطيما من محاولة اغتياله في 13 أيار 1981، يوم عيدها. فكرس العالم كله لقلبها الطاهر في 25 آذار 1984، ودعا جميع أساقفة العالم لتكريس أبرشياتهم لقلبها. ثم جدد تكريس العالم في يوبيل الألفين”.

وقال: “لقد اختبرت البلدان التي كرست لقلب مريم الطاهر قدرة التكريس في تحقيق سلامها وازدهارها ونموها وقديسيها. ونحن في لبنان نختبر كيف تحمي مريم بيدها الخفية وطننا الحبيب في كل مرة يصل إلى شفير الهاوية. ولهذا جئنا اليوم نرفع ذبيحة الشكر لله ولسيدة لبنان. وفي الوقت عينه نجدد بالرجاء الوطيد ثقتنا بعنايته الإلهية وبشفاعة مريم الكلية القداسة في هذا الظرف العصيب والمفصلي الذي يمر به لبنان والمنطقة. نلتزم أخيرا “بالرسالة الموكولة من المسيح إلى الكنيسة وإلينا، رعاة ومؤمنين. وقد جرى تسليمها في آخر لقاء ليسوع القائم من الموت بالرسل الأحد عشر، كما يروي الإنجيليون الأربعة في خاتمة أناجيلهم. إنها رسالة مثلثة في إنجيل القديس متى (28: 19): التعليم بإعلان إنجيل الخلاص لكل الخليقة لكي يؤمن الجميع: “إذهبوا وتلمذوا جميع الأمم”، والتقديس بتوزيع نعمة المعمودية والأسرار الخلاصية لجميع الناس لكي يتقدسوا: “وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس”، والتدبير بتنظيم حياة المؤمنين، لكي يحفظوا وصايا الله ويعيشوا في المحبة والأخوة فينالون الخلاص: “وعلموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به”.

أضاف: “إن ضمانة نجاح هذه الرسالة المثلثة تأتينا من آخر كلمة قالها الرب يسوع ساعة صعوده إلى السماء: “وها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء العالم”(متى 28: 20).
هذا هو معنى وجود الكنيسة والمسيحيين، في لبنان والشرق الأوسط ، نصلي من أجل التزامهم بهذه الرسالة المثلثة التي نتكرس لها اليوم، ونحن نعتبر بإيمانٍ وطيد ورجاء ثابت أن الله يعد بهذا التكريس ربيعا جديدا لوطننا وللمنطقة بالرغم من شتاء الحروب والانقسامات والانتهاكات”.

وختم الراعي: “هي مريم أمنا تقول لنا اليوم نداءها إياه في ظهورات فاطيما منذ سبعٍ وتسعين سنة: “تكرسوا لقلبي الطاهر، وصلوا مسبحتي كل يوم، فتخلصوا من الهلاك الأبدي ومن الحروب. إنا بواسطتها نرفع نشيد المجد والتعظيم إلى الإله الواحد والثالوث، الذي أجرى فيها العظائم ويجريها فينا، مسبحين وشاكرين الآب والابن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين”.

السابق
اعتصام لاهالي رأس بعلبك احتجاجا على خطف مخول مراد
التالي
في أن تكون ممانعاً… كاذباً