حرب الأصوليّتَين من القصير الى الموصل

لا فضيحة ولا مؤامرة. هذه هي البداية عن الانهيار السريع للجيش العراقي، في الموصل وتكريت، يجب التعامل معها بواقعية شديدة حتى يمكن الخروج منها بالحد الأدنى من الخسائر لان ما بعدها ليس اقل من انهيار المنطقة بشكل كامل. العراق واقع حكما بين «الصوملة« و«السورنة« حيث العرقنة مجرد درجة أولى للانزلاق الى الدولة الفاشلة ومعها حكما المنطقة. حاليا لا توجد إجابات واضحة عما حدث وعما سيحدث؟ ومسؤولية «اللاعبين» خصوصا القتلة منهم. رغم ذلك من الضروري طرح بعض الإجابات، لإضاءة المشهد توصلا الى المساهمة في طرح الحلول والبدائل.

«داعش» ليست وحدها صانعة الاجتياح. القوى التي أسقطت الموصل وغيرها مشكّلة من: قدامى البعث الصداميين بقيادة اللواء احمد عزت الدوري. «رجال الطريقة النقشبندية « بقيادة المهيب (على وزن احمد حسن البكر) عزت الدوري الذي كان يتولى بنفسه تصفية أعداء صدام حسين. (المحافظان الجديدان اللذان سماهما التحالف الواسع هما اللواء احمد التكريتي محافظ تكريت في عهد صدام وابنته ارملة قصي صدام، واللواء سعد الله العبيدي ابن الموصل) العشائر السنية المحبطة خصوصا بعد ابعاد «الصحوات» وتركها لمصيرها، وأخيراً «داعش«. ان هذا التحالف الواسع يحمل في طياته عوامل الانقسام والتنافس والتجارب ويجب توقع تكرار ما حصل مع المعارضات السورية معه.

[نوري المالكي لم يكن من البداية اكثر من «صدام صغير» لعب كل الألاعيب والتنازلات وتقديم «الهدايا« السياسية والأمنية لكل من ايران وأميركا، وكانت مختلف القوى المتعاقبة تدينه وترفضه، لكنها اعتادت التسليم له اما إرضاء لطهران أو لواشنطن. «اللبننة» لم تتوقف في صياغة النظام وإنما اخترقت النسيج السياسي كله فأصبح إرضاء الجنرال سليماني أو السفير الاميركي قمة «الذكاء» السياسي. الاسوأ والأخطر ان القوى نفسها أصبحت تجد في التمديد له حتى على حساب الدستور مهمة وطنية وطائفية مُرحَّبا بها. لذلك اقدم المالكي عن سابق التصور والتصميم على «سورنة» الرد على الانتفاضة المدنية في الفلوجة والوصول بها الى درجة القصف بالبراميل المتفجرة على الأحياء المدنية.

[ان التعامل مع الإحباط والتململ السني نتيجة للممارسات الرسمية والحزبية، لم يسمع لان القوى والأحزاب الشيعية الحاكمة رأت ان ذلك أمر طبيعي وكان يسمع حتى من اكثر المعتدلين منهم ان الشيعة تحملوا قهر السنة وأبعدهم صدام عن التنمية والسلطة وسحقهم بالقمع طوال عقود اضافة الى مزج كل ذلك بـ«حنظل» الأساطير والخرافات التي تعود الى الف سنة وأكثر.

لذلك فان المسؤولية جماعية والبداية لا تكون في إنشاء ميليشيا مذهبية ستكون وظيفتها إقحام العراق والمنطقة في حرب بلا نهاية. ولا شك ان المثال الأكبر لهذه الميليشيات سيكون لواء ابو الفضل العباس ومقاتلي «حزب الله« في سوريا والأفغان الشيعة وكل مَن لفّ لفّهم.

[ان «داعش» حالة مرفوضة وتنظيم اصولي إرهابي أسود. لكن ليس بالسلاح وحده يتم النجاح. يجب اولا وأساسا الخروج من الحالة الطائفية والمذهبية، والتي كانت مظاهرها انه جرى ابعاد أياد علاوي عن الرئاسة لانه «صعد الى الأغلبية بـ«المصعد السنّي«.

وهذه المهمة لا تنحصر بشيعة العراق فقط وإنما أيضاً بالسنة كلهم من المحيط الى الخليج. لا يمكن المطالبة بالعدالة والمساواة في العراق وسوريا وإهمال البحرين واليمن.. العدالة في الواجبات والحقوق تكون للجميع أو لا تكون.

[ان تحول سوريا الى « ملعب «، لم يحرق سوريا فقط. لقد احرق الصورة المشرفة لـ»حزب الله« ومعه الشيعة. يستطيع ان يعلن السيد حسن نصر الله بأعلى صوته انه يحقق الانتصار تلو الانتصار في سوريا ولبنان (وزّع صور المالكي على طريق المطار وهو ما لا يحدث في العالم الا في حالة الزيارة الرسمية)، وذلك في الواقع انه ينزلق يوما بعد يوم في مستنقعات الحروب الأهلية والانخراط الى درجة الذوبان في المشروع الايراني. مهما كابر الحزب في اعتبار معركة القصير معركة استراتيجية فإن الواقع يقول إن القصير المدمرة والتي نسفت فيها الجدران التي بقيت واقفة، دخلت في الذاكرة الشعبية السنّية، كعمل تهجيري واستيطاني يتم استخراج صوره بطريقة مشغولة ومدروسة من الحالة الفلسطينية.

[ان الرئيس الاميركي باراك أوباما لم يعرف كيف يحارب ولا كيف يسالم وهو الآن يدفع ومعه العالم ثمن أخطائه الاستراتيجية. ولا شك انه لو تعامل مع الحالة السورية من دون خبث لما فوجئ باجتياح «داعش« العراق، وإذا لم يسارع الى حل يساوي فيه بين العراق وسوريا، فإنه سيخسر وسيقتحم هذا الإرهاب أبواب الغرب كله بعد ان اصبح إرهابا يسيطر علنا على مقاطعات واسعة ويملك مصادر مالية ضخمة وعلنية.

[ان مسارعة ايران الى تجييش العالم للدخول في حرب ضد «داعش« والإرهاب في العراق وسوريا، واستعدادها للمشاركة فيه، تضع واشنطن تحديدا امام خيار التعاون والتضامن مع الأصولية الشيعية، ضد الأصولية السنّية على قاعدة ان الاخيرة في حرب مع الغرب وليس الاولى. قيام هذا الحلف لإنقاذ الاسد وإدخال «حزب الله« عالم الشرعية الدولية وتحيل ايران الى حليف إقليمي مقرر مهم وخطير ولكنه يؤكد ان دعمها الممانعين في حرب ضد الولايات المتحدة وإسرائيل وما لفّ لفّهم، هو نكتة بائسة والاسوأ ان كل هؤلاء المرحبين والمطبلين سيهللون لهذا التحالف على قاعدة تصويره انتصارا الهيا ليس قبله ولا بعده اي انتصار.

تاريخ المنطقة يُكتب من العراق اليوم. إما حل نهائي أو قيام» شيعستان» و”سنيستان”.

السابق
مَن سيدفع ثمن إيقاظ المارد؟
التالي
رحيل المالكي هو الحل