إيران في زمن الاتّفاق مع الغرب

يُجمِع الإيرانيّون على أنّ انتخاب الشخصيّة الوسطيّة التي يُمثّلها الشيخ حسن روحاني لرئاسة الجمهوريّة الإيرانيّة خَلفاً للرئيس محمود أحمدي نجاد، إنّما أعادت توليد منطقة وسطيّة أخرجت إيران من ثُنائيّة التخاصُم بين المحافظين والإصلاحيّين. تحقّقَ إجماع على شخصيّة روحاني الذي يُراهن عليه الإصلاحيّون وهو ليس بإصلاحيّ، ويُراهن عليه المحافظون وهو ليس بمحافظ، ما جعله يشكّل حالة رمزيّة لإعادة الاعتبار إلى الإجماع القومي الاستراتيجي في إيران، وكانت النتيجة بعدَ فوزه برئاسة الجمهوريّة إنجازان فريدان: ـ

 

الأوّل، تنفيس الاحتقان الداخليّ، الذي كان يُنذر بإعادة «الثورة الخضراء» والاضطراب الداخلي، وإشعار الإيرانيّين بأمَل وتفاؤل بالمُستقبل.

 

الثاني، أنَّ الغرب، الذي كان يُراهن على فوز شخصيّة شبيهة بأحمدي نجاد تُعيد توليد الاضطراب السياسيّ في الداخل ومع دول الجوار والعالم، فوجئ بفوز روحاني، ما أحبط كلّ الرهانات الغربيّة على فوز رئيس يُشكّل ذريعة لتجديد مُحاصرة إيران. ولذلك، شكّل فوز روحاني زمناً جديداً بكلّ ما للكلمة من معنى، عنوانه العام الانفتاح والحوار مع الغرب ودول الجوار. ومن هنا بدأت سلسلة التحوّلات، ومنها ما يشهده الملفّ النووي والعلاقة مع دول الجوار. ففي ما يتعلّق بالملفّ النووي، شكّل «الاتّفاق – الإطار» في شأنه بين إيران والدول الغربيّة في تشرين الثاني 2013، بداية تحوُّل استراتيجيّة في الاحتدام حوله، إلى درجة أنّ الخبير الاستراتيجيّ الأميركي جورج فريدمان شبّه هذا الاتّفاق بذاكَ الذي أعقبَ الحرب العالميّة الثانية، ووصفه بأنّه «اتّفاق تاريخيّ» كان من نتائجه الاعتراف بإيران نقطةً جاذبة وقوّة استقرار وسلام في المنطقة.

 

وبعدَ عشرة أيّام تنتهي المرحلة الانتقاليّة للاتّفاق على التفاصيل. صحيح أنّ الحوار التفصيلي حول الاتّفاق النهائي في شأن الملف النووي صعبٌ ومُعقّد، إلّا أنّه لا يُتوَقّع أن يعود إلى نقطة الصفر. كذلك فإنَّ «الاتّفاق الإطار» هو بمثابة «حزام أمان» لمنع اندلاع حرب بين إيران والغرب. ما هي الأوراق التي تمتلكها إيران إذاً؟ يقول الإيرانيّون إنّ الحوار التفصيليّ حول الملف النووي لا يتعلّق بالإجراءات التقنيّة فقط، وإنّما هو مُحاط بسلسلة استحقاقات عالقة وتتّصل بأزمات المنطقة كلّها، ومنها الأزمة السوريّة والقضيّة الفلسطينيّة ولبنان، وكذلك أفغانستان، حيث تجد الولايات المتّحدة الأميركيّة نفسها محتاجةً لإيران، بغية تأمين خروج آمن لأكثر من 50 ألف جندي أميركي، وعدم عودة الأوضاع الأفغانية بعده الى نطقة الصفر من خلال عودة «طالبان» إلى السيطرة على السُلطة في أفغانستان، وهذا الملفّ لا تستطيع إلّا إيران الإمساك به من بين دول المنطقة، وذلك من خلال نفوذها وتأثيرها الميداني واللوجستي في الساحة الأفغانيّة، وهذا أمر يتمّ في سياق حوار غير مباشر بين إيران والولايات المتّحدة الأميركيّة، وهو سياق حقيقيّ وفعّال سيسحب نفسه على كلّ الأزمات الإقليميّة. وفي ما يتعلّق بالملف النووي، وانطلاقاً من هذه المعادلة، تجدُ الإدارة الأميركيّة في إيران الباب العالي لتسوية الأزمات الكبرى في المنطقة. وإذ يسأل البعض، هل تستعجل الولايات المتحدة تحقيق نقلة نوعيّة في نظام الأمن الإقليمي في الشرق الأوسط؟ يجيب خبراء في الشأن الإيراني أنّ الاستراتيجيّة الأميركيّة الجديدة في المنطقة تقوم على إعادة التموضع الهادئ، بما يضمن مصالحها الاستراتيجيّة انطلاقاً من الحقائق الواقعية وموازين القوى التي حصلت في خلال السنوات القليلة المنصرمة.

 

ويعتقد مُراقبون إيرانيّون أنّه للمرّة الأولى في تاريخ المنطقة تكون الاستراتيجيّة الأميركيّة مشغولة بتأمين مصالحها مباشرة، ولو أدّى الأمر الى مخالفة حسابات حلفائها، سواءٌ في منطقة الشرق الأوسط أو حلفائها الأوروبّيين. إيران في زمن الاتّفاق مع الغرب (2) روحاني: يراهن عليه الإصلاحيّون وهو ليس بإصلاحيّ، ويُراهن عليه المحافظون وهو ليس بمحافظ اسم الكاتب: طارق ترشيشي يُجمِع الإيرانيّون على أنّ انتخاب الشخصيّة الوسطيّة التي يُمثّلها الشيخ حسن روحاني لرئاسة الجمهوريّة الإيرانيّة خَلفاً للرئيس محمود أحمدي نجاد، إنّما أعادت توليد منطقة وسطيّة أخرجت إيران من ثُنائيّة التخاصُم بين المحافظين والإصلاحيّين. تحقّقَ إجماع على شخصيّة روحاني الذي يُراهن عليه الإصلاحيّون وهو ليس بإصلاحيّ، ويُراهن عليه المحافظون وهو ليس بمحافظ، ما جعله يشكّل حالة رمزيّة لإعادة الاعتبار إلى الإجماع القومي الاستراتيجي في إيران، وكانت النتيجة بعدَ فوزه برئاسة الجمهوريّة إنجازان فريدان: ـ الأوّل، تنفيس الاحتقان الداخليّ، الذي كان يُنذر بإعادة «الثورة الخضراء» والاضطراب الداخلي، وإشعار الإيرانيّين بأمَل وتفاؤل بالمُستقبل. ـ الثاني، أنَّ الغرب، الذي كان يُراهن على فوز شخصيّة شبيهة بأحمدي نجاد تُعيد توليد الاضطراب السياسيّ في الداخل ومع دول الجوار والعالم، فوجئ بفوز روحاني، ما أحبط كلّ الرهانات الغربيّة على فوز رئيس يُشكّل ذريعة لتجديد مُحاصرة إيران.

 

ولذلك، شكّل فوز روحاني زمناً جديداً بكلّ ما للكلمة من معنى، عنوانه العام الانفتاح والحوار مع الغرب ودول الجوار. ومن هنا بدأت سلسلة التحوّلات، ومنها ما يشهده الملفّ النووي والعلاقة مع دول الجوار. ففي ما يتعلّق بالملفّ النووي، شكّل «الاتّفاق – الإطار» في شأنه بين إيران والدول الغربيّة في تشرين الثاني 2013، بداية تحوُّل استراتيجيّة في الاحتدام حوله، إلى درجة أنّ الخبير الاستراتيجيّ الأميركي جورج فريدمان شبّه هذا الاتّفاق بذاكَ الذي أعقبَ الحرب العالميّة الثانية، ووصفه بأنّه «اتّفاق تاريخيّ» كان من نتائجه الاعتراف بإيران نقطةً جاذبة وقوّة استقرار وسلام في المنطقة. وبعدَ عشرة أيّام تنتهي المرحلة الانتقاليّة للاتّفاق على التفاصيل. صحيح أنّ الحوار التفصيلي حول الاتّفاق النهائي في شأن الملف النووي صعبٌ ومُعقّد، إلّا أنّه لا يُتوَقّع أن يعود إلى نقطة الصفر. كذلك فإنَّ «الاتّفاق الإطار» هو بمثابة «حزام أمان» لمنع اندلاع حرب بين إيران والغرب. ما هي الأوراق التي تمتلكها إيران إذاً؟ يقول الإيرانيّون إنّ الحوار التفصيليّ حول الملف النووي لا يتعلّق بالإجراءات التقنيّة فقط، وإنّما هو مُحاط بسلسلة استحقاقات عالقة وتتّصل بأزمات المنطقة كلّها، ومنها الأزمة السوريّة والقضيّة الفلسطينيّة ولبنان، وكذلك أفغانستان، حيث تجد الولايات المتّحدة الأميركيّة نفسها محتاجةً لإيران، بغية تأمين خروج آمن لأكثر من 50 ألف جندي أميركي، وعدم عودة الأوضاع الأفغانية بعده الى نطقة الصفر من خلال عودة «طالبان» إلى السيطرة على السُلطة في أفغانستان، وهذا الملفّ لا تستطيع إلّا إيران الإمساك به من بين دول المنطقة، وذلك من خلال نفوذها وتأثيرها الميداني واللوجستي في الساحة الأفغانيّة، وهذا أمر يتمّ في سياق حوار غير مباشر بين إيران والولايات المتّحدة الأميركيّة، وهو سياق حقيقيّ وفعّال سيسحب نفسه على كلّ الأزمات الإقليميّة.

 

وفي ما يتعلّق بالملف النووي، وانطلاقاً من هذه المعادلة، تجدُ الإدارة الأميركيّة في إيران الباب العالي لتسوية الأزمات الكبرى في المنطقة. وإذ يسأل البعض، هل تستعجل الولايات المتحدة تحقيق نقلة نوعيّة في نظام الأمن الإقليمي في الشرق الأوسط؟ يجيب خبراء في الشأن الإيراني أنّ الاستراتيجيّة الأميركيّة الجديدة في المنطقة تقوم على إعادة التموضع الهادئ، بما يضمن مصالحها الاستراتيجيّة انطلاقاً من الحقائق الواقعية وموازين القوى التي حصلت في خلال السنوات القليلة المنصرمة. ويعتقد مُراقبون إيرانيّون أنّه للمرّة الأولى في تاريخ المنطقة تكون الاستراتيجيّة الأميركيّة مشغولة بتأمين مصالحها مباشرة، ولو أدّى الأمر الى مخالفة حسابات حلفائها، سواءٌ في منطقة الشرق الأوسط أو حلفائها الأوروبّيين. ما هي تداعيات تحوُّل كهذا؟ أوّل هذه التداعيات، سقوط الرهان الغربيّ على تدخّل عسكري أميركي مُباشر في الأزمة السوريّة، ليس بسبب الفيتو الصيني ـ الروسي فقط، وهو حدَث ناجم في الأصل من التحوّلات الميدانية في ميزان القوى والتي كان لإيران دورٌ حاسم فيها.

 

وثاني هذه التداعيات، شعور دول الخليج، وفي مقدّمها المملكة العربية السعودية بخيبة أمَل كبرى من الولايات المتّحدة الاميركيّة، تمّ التعبير عنها للمرّة الأُولى في الخطاب السياسي السعودي، وفي ما سمّاه بعض المسؤولين الخليجيين «الخداع الاميركي لحلفاء واشنطن التاريخيّين». وثالث هذه التداعيات، هو التصدّع الذي أصاب مجلس التعاون الخليجي، إذ خرج من دولِه مَن يُعلن فشلَ هذا المجلس، الذي يُشكّل وحدةً أمنيّة وسياسيّة وجغرافيّة في المنطقة، في التحوّل اتّحاداً بين دوَله، بدليل ما قاله وزير الخارجيّة العماني يوسف بن علوي في آذار الماضي من «أنّ سلطنة عمان تحترم آراء أشقائها، خصوصاً المملكة العربية السعودية، ولكنّها كانت إقليماً منذ عهد الرسول (ص)، فهي مستقلة وستبقى كذلك، وهذا هو رأي العمانيين قديمهم وحديثهم». وأوضحَ أنّ «فكرة الاتحاد الخليجي ستظلّ قائمة عند مجموعة من الناس، ولكن كواقع صعب».

 

وقال: «حتى إخواننا في المملكة العربية السعودية يعتقدون أنّه ينبغي، في ظلّ هذه الهواجس الفكرية، ألّا نفقد مجلس التعاون، وأن نعمل على تقوية نشاطه وقدراته ونوسّعها، فضلاً عن توظيف أكبر للمصالح المشتركة. ولكنّ مجلس التعاون سيبقى دوَلاً». ما هي تداعيات تحوُّل كهذا؟ أوّل هذه التداعيات، سقوط الرهان الغربيّ على تدخّل عسكري أميركي مُباشر في الأزمة السوريّة، ليس بسبب الفيتو الصيني ـ الروسي فقط، وهو حدَث ناجم في الأصل من التحوّلات الميدانية في ميزان القوى والتي كان لإيران دورٌ حاسم فيها. وثاني هذه التداعيات، شعور دول الخليج، وفي مقدّمها المملكة العربية السعودية بخيبة أمَل كبرى من الولايات المتّحدة الاميركيّة، تمّ التعبير عنها للمرّة الأُولى في الخطاب السياسي السعودي، وفي ما سمّاه بعض المسؤولين الخليجيين «الخداع الاميركي لحلفاء واشنطن التاريخيّين».

 

وثالث هذه التداعيات، هو التصدّع الذي أصاب مجلس التعاون الخليجي، إذ خرج من دولِه مَن يُعلن فشلَ هذا المجلس، الذي يُشكّل وحدةً أمنيّة وسياسيّة وجغرافيّة في المنطقة، في التحوّل اتّحاداً بين دوَله، بدليل ما قاله وزير الخارجيّة العماني يوسف بن علوي في آذار الماضي من «أنّ سلطنة عمان تحترم آراء أشقائها، خصوصاً المملكة العربية السعودية، ولكنّها كانت إقليماً منذ عهد الرسول (ص)، فهي مستقلة وستبقى كذلك، وهذا هو رأي العمانيين قديمهم وحديثهم». وأوضحَ أنّ «فكرة الاتحاد الخليجي ستظلّ قائمة عند مجموعة من الناس، ولكن كواقع صعب». وقال: «حتى إخواننا في المملكة العربية السعودية يعتقدون أنّه ينبغي، في ظلّ هذه الهواجس الفكرية، ألّا نفقد مجلس التعاون، وأن نعمل على تقوية نشاطه وقدراته ونوسّعها، فضلاً عن توظيف أكبر للمصالح المشتركة. ولكنّ مجلس التعاون سيبقى دوَلاً».

السابق
ظريف يحذّر من طبيعة الارهاب التكفيري العابرة للحدود
التالي
التحدّي المفاجئ: كيف ستواجه طهران هذا الاهتزاز مع حلفائها وفي الداخل؟