بغداد تتحصَّن أمام استمرار زحف ’داعش’

لم يتوقف زحف تنظيم “الدولة الاسلامية في العراق والشام” (داعش) عند حدود الموصل بل تعداها الى محافظة صلاح الدين لتتساقط في يده المدن السنية في وسط العراق واحدة بعد الاخرى ومعها يتجاوز القلق الحدود العراقية الى طهران التي اعلنت دعمها لبغداد في هذه المواجهة والى دمشق التي قالت انها مستعدة للتعاون ضد “العدو المشترك”، والى أنقرة التي احتجز مقاتلو التنظيم الاصولي العشرات من الديبلوماسيين والرعايا الاتراك في القنصلية التركية بالموصل مما أوجب انعقاد جلسة طارئة لحلف شمال الاطلسي بناء على طلب انقرة التي حذرت من المس بمواطنيها، وأبدت الولايات المتحدة قلقها من الوضع الأمني المتدهور في العراق وتعهدت بتقديم “أي مساعدة ملائمة” للحكومة العراقية.

ومع التهديد الاقليمي الذي بدأ يشكله “داعش”، اظهرت مشاهد نشرت في موقع “المنبر الاعلامي الجهادي” القريب من هذا التنظيم وفي حساب “الدولة الاسلامية” بموقع “تويتر” للتواصل الاجتماعي مقاتلين يستخدمون جرافة لازالة سواتر ترابية تفصل بين نينوى في شمال غرب العراق والحسكة في شمال شرق سوريا. وظهر في المشاهد ايضا مقاتلون يرفعون علم تنظيم “الدولة الاسلامية” فوق مقر حدودي عراقي بالقرب من آليات وسيارات للجيش العراقي استولى عليها هؤلاء.
وبثت قناة “الميادين” التي تتخذ بيروت مقراً لها ان مقاتلي “داعش” بدأوا نقل اسلحة من العراق الى مناطق سيطرتهم في سوريا حيث يخوضون قتالاً ضد النظام السوري من جهة وضد كتائب اسلامية معارضة بينها “جبهة النصرة” التي تتبع تنظيم “القاعدة” الام من جهة أخرى.
وبعدما احكم التنظيم الاصولي سيطرته على مدن محافظة نينوى، توجه شرقا ليسيطر على مدينة تكريت في محافظة صلاح الدين، بل تمكن من السيطرة على مسقط الرئيس العراقي الراحل صدام حسين في قرية العوجة. وسيطر ايضا على قضاء الدور مسقط نائبه الامين العام لحزب البعث العراقي المنحل عزة ابرهيم الدوري. فهل ثمة دلالات محددة في ذلك؟ صحافيون وكتاب يتهامسون في الاروقة الصحافية عن وجود عزة الدوري في الموصل، وان “حزب البعث المنحل” يقف وراء التنظيم الداعشي المتشدد، وثمة انباء غير مؤكدة تفيد ان عناصر البعث تنوي اعلان قيام “حكومة مدنية” في الموصل والمدن المسيطر عليها، في اليومين المقبلين. وسواء صحت هذه الانباء أم لم تصح فان ما يحدث اليوم من تقدم مفاجئ ومتوقع في آن واحد، لتنظيم “داعش”، بمثابة اكبر حجر رمي في مياه الفساد وسوء الادارة والتخطيط منذ عشر سنين.
وتحدث رئيس الوزراء نوري المالكي، شأن الحكام العرب في ازمات عن “مؤامرة”، وقال في خطبته الاسبوعية: “إن الذي حصل مؤامرة بكل صدق لان ما هو موجود من قوات القاعدة وداعش ليس بالمستوى الذي يقابل ما هو موجود من الجيش والشرطة”. وتعهد بناء “جيش رديف من المتطوعين أصحاب الإرادة الى الجيش النظامي”، لكنه لم يوضح كيف سيضمن صمود هذا الجيش وعدم هزيمته كما فعل الجيش النظامي. والاكثر غرابة من كل ذلك، ان الجميع كانوا يتحدثون منذ سنوات طويلة عن وجود “القاعدة” و”داعش” في نينوى وفرضها اتاوات على الاهالي والسكان، لكن احدا لم يتخذ ما يكفي من التدابير لطرد الجماعات المسلحة واجتثاثها.
وقد أشاعت “اريحية داعش”، وهزيمة الجيش المهينة، قلقا شديدا في بغداد، وصار بعض الاهالي يفكرون في شراء وتخزين مواد غذائية، تحسباً لايام سود مقبلة. وفي حي مدينة الصدر الذي تسكنه غالبية شيعية يخزن الرجال الأسلحة تحسبا لمعركة مع “داعش”.
ونقلت قناة “الميادين” عن مراسلها في العراق ان قوى الامن أفقلت مداخل بغداد وفرضت منع تجول حتى الصباح.
وقد دفعت الاحداث العصيبة السيد مقتدى الصدر الى الظهور مجددا بعد غياب امتد شهرين تقريبا، وفي دعوته الى انشاء “سرايا السلام” لحماية المقدسات عتب مبطن على ما “اقترفه” المالكي من تقريبه لميليشيا “عصائب اهل الحق” وغيرها في انخراطها العلني في حرب الانبار مع الجيش. وقال الصدر في بيان: “ان الحكومة ضيعت كل الفرص لإثبات أبوتها للشعب”، واضاف: “لن يخوض معركة عصابات وميليشيات قذرة بحرب طائفية ضروس تأكل الأخضر قبل اليابس”.
وقال وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري خلال زيارة لليونان إن بغداد لا بد أن تتعاون مع القوات الكردية لمحاولة طرد المقاتلين، ودعا كل القادة العراقيين إلى توحيد صفوفهم لمواجهة ما وصفه بخطر جسيم يهدد البلاد. وأضاف أنه يجب أن يكون هناك رد سريع على ما حصل.
وتوعد وزير الخارجية التركي احمد داود اوغلو مقاتلي “داعش” بـ”اقسى رد” اذا الحقوا ضررا بمواطنين اتراك يحتجزونهم في القنصلية التركية بمدينة الموصل العراقية. وافادت مصادر ديبلوماسية ان تركيا اطلعت حلفاءها في حلف شمال الاطلسي على الوضع في العراق. وقالت اثر اجتماع طارئ انعقد في مقر الحلف في بروكسيل ان هدفه كان “اطلاع الحلفاء على الوضع”، لافتا الى ان “ممثل تركيا لم يطلب شيئا من الدول الحليفة”.
وفي طهران، افادت وكالة الجمهورية الاسلامية الايرانية للانباء “ارنا” ان وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف اتصل هاتفيا بنظيره العراقي. ونقلت عن ظريف ان “جمهورية ايران الاسلامية تدين قتل المواطنين العراقيين وتدعم الحكومة والشعب العراقيين للتصدي للارهاب”. وابرز ضرورة “دعم فعلي دولي للحكومة العراقية للتصدي للارهاب”.
وفي واشنطن، أعربت الناطقة باسم وزارة الخارجية الاميركية جين بساكي قلقها من الوضع الأمني المتدهور في العراق وتعهدت تقديم “أي مساعدة ملائمة” للحكومة العراقية . وقالت إن الولايات المتحدة تعتقد أن مصفاة بيجي أكبر مصفاة لتكرير النفط في العراق لا تزال تحت سيطرة الحكومة العراقية. وكانت مصادر أمنية افادت إن المقاتلين دخلوا بيجي في مركبات مسلحة وأشعلوا النار في مبنى المحكمة ومركز للشرطة، ثم حرروا السجناء.
وفي روما، حذرت “جمعية سانت ايجيديو” الكاثوليكية الايطالية من تعرض المسيحيين في العراق لاعمال عنف بعدما سيطر “داعش” على الموصل وفرّ نحو نصف مليون من سكانها.

السابق
بعد احتلال الموصل: حزب الله يسد نقص العراقيين العائدين من سورية
التالي
اشتباك بين برّي والسنيورة: انتهى شهر العسل الحكومي؟