من يتحمّل تبعات الفوضى الحاصلة على كل الصُعد؟

وزارة التربية والتعليم

حصل ما كان يخشاه كثر، “اهترأت” الدولة والمؤسسات وبلغت الامور حال الفوضى والفراغ والعجز عن التشريع وايجاد حلول لأبسط الامور.

بلوغ هذا الوضع المزري، حيث شرائح واسعة في الشارع وحيث “الاهتراء” في المؤسسات الرسمية، أمر كان مدرجاً في خانة حسابات كثيرين ومنذ فترة بعيدة. فما يحصل الآن هو بعرف العديد من النخب السياسية تتويج لسياق ومسار طويل، بدأ منذ اشتعال فتيل الأزمات بعيد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري في عام 2005 لتسلك الأمور مساراً لن يقود الا الى أحد أمرين:
– إما دولة فاشلة تعجز حتى عن التعامل مع مطالب هي في الأساس عادية وترفع في سماء كل وطن.
– وإما أن يلغي فريق أو محور الفريق أو المحور الآخر ويرسي أسس حكم على قياس رؤاه وتطلعاته الداخلية والاقليمية. وبناء على الامر الواقع هذا طغى على المشهد السياسي خلال الاعوام العشرة الماضية وصولاً حتى الساعة ثقافة وأداء سياسيين من عناوينهما العريضة:
– سعي كل فريق للقول بأنه يمثل حصراً الدولة، وما عداه إما ساعٍ الى دويلة أو صار راغباً في تحطيم الدولة. لذا لم يكن مفاجئاً ان ترتفع في ما مضى وحتى الامس القريب شعارات من نوع “العبور الى الدولة”، والتشكيك بأي سلوك أو اداء للطرف الآخر، حتى ان صاحب الشعار إياه ذهب الى حد التلويح باعلان “حرب تحرير” الوطن من الآخر باعتباره خارجاً على القانون وعصياً على التحديث والتطوير.
– اطلاق خطاب عنوانه العريض اننا وحدنا قادرون على الحكم وتسيير شؤون البلاد والعباد وخططنا السياسية وبرامجنا الاقتصادية والمالية هي وحدها “الوصفة” الناجعة لادارة الدولة والمجتمع.
بين هذا المنطق الاستعلائي في ادارة الامور والممزوج بشعور فحواه اننا نحن من وضع حجر الاساس لكل مرحلة ما بعد عام 1992 بتفاصيلها الانمائية وخططها المالية العامة، وانه يتعين على الآخرين ان يملّكونا الأمر لنكمل ما بدأناه ونوصل ما انقطع، أفضى من جملة ما أفضى اليه، الى حال من القطيعة مع الطرف الآخر، الى تشتت القوى وتبعثر الجهود الآيلة الى الحل والربط والانقاذ حيث تكون الحاجة ملحة.
وأكثر من ذلك فقد تكرس مفهومان للحكم والادارة تفصل بينهما فجوة كبرى تنعدم معها امكانات التلاقي وتلاقح الافكار والرؤى، كما في كل عصر ومصر.
– ومما لا شك فيه ان مثل هذا الوضع من شأنه أن يخلق حالة من الفوضى وانعدام الرؤية تؤدي الى ضياع روحية الحق والحقيقة والمصلحة العليا للدولة، ويفتح الابواب لاحقاً للمتحدثين عن ضرورة البحث عن ابرام عقد اجتماعي جديد للخروج من حالات الاستعصاء والتأزم المديد، سواء كان ذلك بدافع البحث عن حلول او بفعل الرغبة في تكريس واقع سياسي جديد واقصاء آخر قائم مرفوض بالنسبة اليه.
بين مشهد مجلس النواب الحائر المرتبك العاجز عن الالتئام، وبين مشهد “الثائرين” في وزارة التربية، ثمة من يذهب الى استشراف وضع سوداوي للغاية في قابل الايام، سماته:
– ان العام الدراسي لنحو 150 الف تلميذ مرشحين للشهادتين الرسميتين البريفيه والقسم الثاني مرشح للضياع.
– ان الأطراف الثلاثة اللاعبة في الحلبة السياسية الآن (8 و14 آذار والوسطيين) يتوسلون الفراغ الحاصل “سلاحاً” لوضع الآخر في الزاوية وتحميله تبعة الاخفاق.
فلم يعد خافياً ان ثمة معادلة معقدة وشاقة رسمها فريق 14 آذار منذ فترة عنوانها العريض أن الباب لولوج الحل يكون بانتخاب رئيس جديد للبلاد يقطع مع حال الشغور الحاصل، وكلما طال أمد الفراغ ارتفعت ذروة جبل المشاكل وعلى ألوانها السياسية والاجتماعية. وفي المقابل لم يعد خافياً ايضاً ان فريق 8 آذار نجح بشكل او بآخر في وضع الرئيس فؤاد السنيورة في مواجهة كل الشريحة المتفقة على المطالبة باقرار سلسلة الرتب والرواتب والتي صارت بالنسبة اليها قضية حياة او موت، فمن الصعوبة بمكان بعد اليوم إقناع 200 الف موظف بأن عليهم التخلي عن زيادة قياسية هي 120 في المئة على رواتبهم بعدما أعطتهم حكومة الرئيس نجيب ميقاتي وعداً بالحصول عليها، فراحوا يتصرفون وكأنها صارت ملك يمينهم الى درجة ان ثمة طرفة رائجة في اوساط المضربين جوهرها ان هناك من استدان على هذا الوعد من المصارف.
وهكذا تزداد لعبة عض الاصابع بين الطرفين حدة وشراسة على نحو توشك ان تضيع معه جهود رئيس مجلس النواب نبيه بري الهادفة الى ايجاد تسوية ما هباء منثوراً. واللعبة اياها مبتدأها الظاهر التباين على اقرار سلسلة الرتب والرواتب، ولكن في جوهرها يتوالد العديد من العناوين الأخرى والرغبات الدفينة المضمرة في تصفية الحسابات وفي استدراج الرهانات وفي لفت الانظار.
وفي خضم هذا الضياع والفوضى واختلاط الأوراق تكاد قوة اساسية مثل “التيار الوطني الحر” تضيع. فنائبها هو من أرسى أسس السلسلة وأخرجها الى النور بجهد لافت، لكن رغبات زعيم التيار جعلته يسحب غطاءه عن السلسلة وفي خضم ذلك ايضا يجد رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط فرصة لاظهار تذبذبه وحيرته الدائمة، فهو مع السلسلة وحق المطالبين ومع التحذير من “مغامرة” اقرارها.
وفي هذه اللعبة ما من احد بامكانه ان يراهن على الوقت ليحصد المكاسب، فالكل خاسر الا الراغب جدياً في مؤتمر تأسيسي جديد.

السابق
من هي «داعش»؟
التالي
تفجير ذخائر في محيط حولا