مأساة الجيش العراقي في نينوى

الإنهيار السريع و المريع للمنظومتين الأمنية و العسكرية في محافظة نينوى وهروب كبار قادة الحيش العراقي و المسؤولين الإداريين منها بخفة النمر ورشاقة الغزال! هو أمر أكبر من الكارثة بكثير لكونه مؤشر هام على الطبيعة الهشة والكارتونية للدولة العراقية و لمجمل العملية السياسية العجفاء العقيمة ووصولها لحافات النهاية وحتى الإندثار!

فإن يتمكن عدة مئات من الجماعات المسلحة بغض النظر عن عناوينهم و تصانيفهم الفئوية وبعدد محدود جدا من الأسلحة و المعدات القتالية، وبوسائل تنقل سياحية من إسقاط ثاني أكبر محافظة في العراق، و من إنزال هزيمة عسكرية و ستراتيجية و سياسية ساحقة بالمؤسستين ألأمنية و العسكرية وبضربة قوية ليس خلال أيام بل في ساعات معدودة حصل بعدها ماحصل فإن الأمر أكبر من هزيمة و أشنع من فضيحة، فالهزيمة التي أحاقت بحكومة السيد المالكي المنتهية ولايتها أصلا و العاملة لولاية جديدة وثالثة هي في تقديري أكبر من هزيمة حزيران يونيو عام 1967 حينما تمكن جيش الدفاع الإسرائيلي من تحطيم جيوش مصر وسوريا و الأردن و إحتلال القدس و الضفة و الجولان و كامل صحراء سيناء فإسرائيل على الأقل دولة لها علاقاتها و مؤسساتها و جيشها أما الجماعات المسلحة في العراق فهي تعمل و تمول بطريق غامضة وفي ظل آليات تحرك عادية و لا تمتلك غطاء جوي و لا حاضنة إجتماعية وشعبية واسعة ومع ذلك فقد تمكنت من هزيمة جيش مهلهل صرفت عليه مليارات الدولارات التي تحولت لشظايا في ساحة المعركة وفي ساعات الحقيقة!

لايمكن تبرير ماحصل تحت أي دواعي أو ظروف؟ كما لايمكن هضم هروب القادة تاركين الجنود المساكين لرحمة رب العباد!، ولا يمكن أبدا بالتالي أن تنتهي تلك المأساة بدون تقديم رؤوس المسؤولين عنها للعدالة و المحاكمة و إنزال العقاب الصارم بهم، رغم أن القيادة العامة للقوات العراقية المسلحة هي قيادة غير كفوءة وليست مهنية و لاعلاقة لها بامور التنظيم و الإدارة و اللوجستك و إدارة العمليات، لكونها قيادة مهلهلة و طائفية و جاهلة لا تعرف سوى أساليب و طرق جماعات المعارضة العراقية السابقة من تفعيل للإرهاب و تزوير للجوازات و تهريب للسجائر وكتابة التقارير للمخابرات السورية! و بعضهم يمتلك خبرات في تصريف العملة و بيع الخضار و تزوير الوثائق و الجوازات ليس إلا..!

الإنهيار العسكري الكبير يحمل دلالات واضحة حول خطط و عمليات عسكرية متنقلة قادمة ستحط رحالها في بغداد قريبا و لربما في عمق المنطقة الخضراء بعد أن تساقطت الحصون العسكرية و سقطت المدن و تحولت القيادات العسكرية بنجومها و نياشينها و كروشها المتهدلة لمهزلة حقيقية، القائد العام الفاشل الجنرال المزيف نوري المالكي كان قد توعد الجماعات المسلحة في الأنبار و الفلوجة بحرب إنهاء شعواء أطلق عليها عمليات (تصفية الحساب)! و قد كان مثيرا فعلا أن يلجأ طيران الجيش العراقي لتصفية حساب المالكي مع معارضيه لإستعمال البراميل القذرة المتفجرة في ضرب المدنيين أسوة بما يفعله نظام المجرم بشار في سوريا و نتيجة إستشارة عسكرية إيرانية صرفة، فإيران في حقيقة الأمر هي من تصفي الحساب في الساحتين السورية و العراقية، و إيران و جماعتها هي التي تواجه حرب إستنزاف قاتلة و مريعة في الشرق الأوسط، و يبدو أن المالكي وهو يصفي حساباته لم يستطع أبدا الإستفادة من ميليشياته المقاتلة العاملة في قوات (سوات) و أعني عصابة العصائب الخزعلية و كتائب حزب الله و غيرها من التنظيمات الميليشاوية التي أدمجها في الجيش العراقي الخالي حاليا من أي عقيدة قتالية أو ستراتيجية وطنية أو حتى دوافع حقيقية للقتال المستمر في أوضاع جد مريضة و غير طبيعية، تصفية حسابات المالكي قد إنقلبت عليه وبالا

فما حصل من هزيمة مروعة قد غير كل جوانب العملية السياسية التي الدرجة التي بات مستحيلا معها تأكيد الولاية الثالثة، فالبلد يذوي و يتحلل تدريجيا، و عمليات الحشد الطائفية المترافقة مع عمليات تطهير عرقي طائفي ستكون هي المتصدرة للمشهد العراقي خلال المراحل القادمة، بوابة جهنم قد فتحت كل مصاريعها الرثة و المأساوية في العراق، و التخلص من الحالة السوداوية القائمة لن يكون إلا بإسقاط و نبذ الطائفية السياسية و تكريس دولة المواطنة التي ذهبت للأسف مع الريح.. ستكون لهزيمة الجيش العراقي المرة في شمال العراق نتائج خطرة جدا على صعيد مستقبل الوحدة الوطنية في العراق، أما القادة الذين هربوا فهم يعبرون عن حقيقة و طبيعة القيادة التعبانة في العراق و التي كانت حصيلة لسنوات الإحتلال الأمريكي المرة… الشرق بأسره يقف اليوم على أعتاب مرحلة تشكل جديدة هي الأخطر و الأفظع في التاريخ… إنها هزيمة المهزومين بكل صدق و جلاء.

 

السابق
سجالات في البرلمان يختلط فيها الخلاف على الارقام مع مقاطعة التشريع
التالي
قلعة أرنون التاريخية بحلة جديدة- قديمة