عاصفة «داعـش»: النفـط والـدم!

عاصفة تلد أخرى في العراق، وتزيده تمزيقاً. من عواصف صدام حسين الى “عاصفة الصحراء” لنورمان شوارزكوف في العام 1991، إلى عاصفة جورج بوش الإبن وبول بريمر في العام 2003، وصولاً إلى العاصفة السورية التي أتاحت لتنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)” تبادل الخبرات العسكرية العابرة للحدود، وتوسيع انتشار مقاتليه عبر خطوط الامتدادات المذهبية… والنفطية، ما بين العراق وسوريا.
كل الهزّات الأرضية التي كانت تحدث خلال الشهور الماضية كانت تشير الى أن “زلزال داعش”، آت لا محالة. وهو زلزال اقليمي لا شك، وله تداعياته وهواجسه الدولية أيضا. فمنذ بداية العام 2014، وسيطرة “داعش” على مناطق شاسعة في الفلوجة والرمادي، ثم عمليات اقتحام سامراء والموصل وجامعة الأنبار خلال الأيام الماضية، كانت تعني أن التنظيم، الجيد التسليح والكفاءة القتالية، والصاعد الى صدارة التنظيمات “الجهادية” في المنطقة متفوقاً على التنظيم الأم، أي “القاعدة” وزعيمه أيمن الظواهري، يقترب من إطلاق عاصفته الكبرى: الاستيلاء على مدينة عراقية كبرى وغنية كالموصل خلال ساعات قليلة، والتقدم نحو مناطق عراقية أخرى، لمتابعة سلسلة مكاسبه الميدانية عبر الحدود، من حلب في الشمال السوري، وصولا الى الرقة والحسكة ودير الزور، حيث يدر النفط السوري عشرات ملايين الدولارات في جيوب أمرائه، ثم الى عمق العراق، في الفلوجة، على مشارف العاصمة العراقية بغداد، وبالتماس مع مناطق كردستان، ليتشكل ما يمكن وصفه بأنه “دويلة داعش” التي تنتظر إعلان أمير التنظيم أبو بكر البغدادي قيام “دولة الخلافة الاسلامية”، وسط صمت عربي غير مبرر.
لكن المشهد كان مريباً ومؤلماً في الوقت ذاته. عشرات ألاف العراقيين أجبروا على النزوح هرباً من الموصل المستباحة من “داعش”. والمريب هو سقوطها ذاته، وبهذه السرعة، والاندحار السهل لقوات الجيش العراقي الذي كان يوصف ما قبل عواصف شوارزكوف وبريمر، بأنه من بين أقوى الجيوش في العالم!
وإزاء هذه التطورات الخطيرة، كانت الولايات المتحدة أول المندفعين إلى إعلان موقف، حيث اعتبرت أنّ مقاتلي “داعش” يهددون كامل منطقة الشرق الأوسط، معربة عن قلق بالغ بشأن الوضع “الخطير جداً”. وندّد المتحدث باسم البيت الأبيض جوش ايرنست بالمسلحين “بأقسى العبارات”، داعياً رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي وغيره من المسؤولين إلى بذل مزيد من الجهود لمعالجة “القضايا العالقة” وضمان الحكم “بما فيه مصلحة جميع العراقيين”.
وكانت الولايات المتحدة سلّمت القوات العراقية نحو 300 صاروخ “هيلفاير” الموجّه، إضافة إلى كمية كبيرة من ذخيرة الأسلحة الخفيفة وذخيرة الدبابات والصواريخ التي تطلق من الطوافات والرشاشات وبنادق القناصة، بحسب المتحدث، الذي أضاف أنّ “هذه الإدارة ملتزمة الحفاظ على الشراكة التي تربطنا بالحكومة العراقية… وقدّمنا ونستطيع أن نقدم بعض المساعدة، وسنواصل القيام بذلك”.
وأكد البنتاغون من جهته أنه “يراقب عن كثب” التطورات على الأرض مع استبعاده أي عمل عسكري أميركي. وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع الاميركية الاميرال جون كيربي “نحن على اتصال بالمسؤولين العراقيين، ولكن في نهاية المطاف على الحكومة والقوات العراقية أن تواجها” هذا الوضع. ويزور مساعد وزير الخارجية الأميركي بريت ماكغورك العراق منذ أيام عدة لإجراء محادثات حول مواجهة تهديد “داعش”.
عربياً، دعا الأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي إلى “تضافر جهود جميع القوى والفعاليات السياسية والوطنية العراقية في مواجهة الإرهاب بكافة أشكاله وصوره، درءاً للمخاطر وحفاظاً على وحدة العراق وأمنه واستقراره”. وأكّد “تضامن الجامعة العربية الكامل مع العراق وشعبه في مواجهة هذه المحنة، ودعمها للجهود التي تبذلها الحكومة العراقية من أجل محاربة الإرهاب وبسط سلطة الدولة في ربوع البلاد”.
من جهته، أكد وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد آل نهيان في اتصال هاتفي بنظيره العراقي هوشيار زيباري “موقف الإمارات المبدئي برفض الإرهاب بكل صوره وأشكاله ودعمها لاستقرار العراق وحفظ سلامته ووحدته الوطنية”.
ومثّل سقوط أجزاء من نينوى في أيدي المجموعات المسلّحة حدثاً استثنائياً بالنسبة إلى الوضع الأمني في العراق بشكل عام لما تحظى به هذه المحافظة من أهمية إستراتيجية نظراَ لمساحتها الجغرافية ولموقعها القريب من إقليم كردستان شبه المستقل. كما أنّ مدينة الموصل، وهي عاصمة الشمال العراقي، تقع على بعد كيلومترات فقط من الحدود مع سوريا حيث تفصل بينها وبين معبر اليعربية الفاصل بين العراق وسوريا منطقة ربيعة التي تسكنها عائلات لها امتدادات عشائرية وعائلية على الجانب الآخر من الحدود. وإضافة إلى الموصل، تمكن مقاتلو “داعش” من السيطرة على قضاء الحويجة وخمس نواح في محافظة كركوك العراقية الغنية بالنفط والمتنازع عليها، بحسب ما أفاد مسؤولون أمنيون أمس. ويضاف إلى هذه المناطق قضاء الشرقاط في صلاح الدين.
وأعلن رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي حالة التأهب القصوى في البلاد. وقال في مؤتمر صحافي عقده في بغداد إنّ “الحكومة قررت إعلان حالة الإنذار القصوى في العراق وتدعو البرلمان إلى عقد جلسة عاجلة لإعلان حالة الطوارئ في البلاد من أجل مواجهة تنظيم داعش الإرهابي”. وفي موقف لافت، دعا المرجع الديني السيد علي السيستاني، مساء أمس، الحكومة العراقية والقيادات السياسية إلى توحيد كلمتها للوقوف في وجه الإرهابيين.

السابق
انتهاكات الحريات الإعلامية والثقافية لشهر ايار
التالي
جرافة اسرائيلية عند محلة هونين العباد