’الداعشيون الأوروبيون’ بعد ’الأفغان العرب’

منذ انهيار تنظيم «القاعدة» في افغانستان الذي كان يسيطر على معظم المناطق الحدودية المتاخمة لباكستان، بالتعاون مع حركة «طالبان»، لم يتمكن أي تنظيم اسلامي راديكالي من الحصول على مساحة جغرافية تسمح له بالحركة كما يفعل اليوم تنظيم «الدولة الاسلامية في العراق والشام» (داعش) في المناطق الحدودية بين سورية والعراق. لقد وصل هذا التنظيم الى حد السيطرة شبه الكاملة على محافظات ومدن كبرى في هذين البلدين، مثل الحسكة ودير الزور في سورية، والرمادي وسامراء والموصل في العراق. كما اكدت تطورات الايام الاخيرة قدرته على التحرك في هذه المناطق بحرّية ومن دون خوف من العواقب.

 ومثلما شكّلت «القاعدة» مصدر قلق اقليمي ودولي لأسباب أمنية واستراتيجية، هكذا تحولت «داعش» الى همّ مستفحل للجوار وللعالم. آلاف المقاتلين يتركون اليوم بلداناً غربية آمنة كان يفترض انهم لجأوا اليها مع أهلهم وعائلاتهم لكسب الرزق وتحسين مستوى العيش، ليذهبوا لـ «الجهاد» الى جانب «داعش»، أسوة بما فعل أقران لهم قبل عقدين من الزمن، عندما كانوا يتركون ايضاً ارزاقهم واماكن عيشهم ليلتحقوا بقيادة اسامة بن لادن. وكما اتسعت المخاوف آنذاك من عودة هؤلاء الى الدول العربية والغربية التي انطلقوا منها، لمتابعة «جهادهم» فيها، وحملوا لقب «الافغان العرب»، يضيق الاعلام الغربي هذه الايام وكذلك تصريحات المسؤولين الامنيين بالتحذيرات من مخاطر عودة من يقاتلون الى جانب «داعش» الى دول مثل بريطانيا وفرنسا والمانيا، والمخاوف مما يمكن ان يتركبوه من أعمال تهدد الامن الداخلي لهذه الدول، حتى يمكن ان نسميهم «الداعشيين الاوروبيين».

انهيار الدولة ونظام الحكم في افغانستان أنعش حركة «طالبان» وسهّل سيطرة «القاعدة» على المشهد الافغاني والدولي. واليوم يسهم انهيار الدولة ونظام الحكم في كل من سورية والعراق في انتعاش الفكر الاسلامي المتطرف، ممثلاً بابو بكر البغدادي. لقد بلغ تطرف البغدادي حداً أصبح معه حتى ايمن الظواهري، خليفة بن لادن، يشكو منه!

لا تقاتل «داعش» اليوم احتلالاً غربياً في سورية والعراق كما كان يزعم بن لادن في حربه ضد الوجود الغربي في المنطقة. انها تقاتل بشراسة ووحشية أهل البلدين وابرياءهما. تحتجز الطلاب في جامعاتهم بتهمة انهم يتلقون العلم. تهدد الطالبات بتلقينهن «درساً لن تنسوه»، اذا ذهبن الى المدرسة. تأمر أهالي الجنود الملتحقين بالجيش العراقي بحفر قبورهم بأيديهم قبل دفنهم فيها. تهاجم المساجد لتغذية الحرب المذهبية (التي لا ينقصها الوقود اصلاً) كما فعلت في سامراء في الاسبوع الماضي بالهجوم على مرقد الإمامين علي الهادي والحسن العسكري. لا تتردد في قطع رؤوس أسراها ونشر الصور والافلام على «يوتيوب» لتعزيز المخاوف واثارة الرعب في المناطق التي اصبحت تحت امرتها.

«القاعدة» اعتاش في حربه مع جورج بوش الابن على شعار: من ليس معنا فهو ضدنا. و»داعش» يستفيد اليوم من الحرب التي يخوضها السوريون ضد حكم بشار الاسد والعراقيون ضد هيمنة نوري المالكي وسوء ادارته. الاسد يفضل توسيع رقعة عمل «داعش» على الارض السورية بدل التفاهم مع «الجيش السوري الحر» والمعارضة المعتدلة على مخرج للازمة. يستغرب كريستوف اياد مراسل صحيفة «الموند» الفرنسية في تحقيق عن شخصية ابو بكر البغدادي كيف أن الاسد الذي يأمر بسجن وتعذيب أي معارض، مهما كان هامشياً، لم يتردد في اطلاق عدد كبير من قيادات التنظيمات الاسلامية المتطرفة من سجونه مع بدء الانتفاضة ضده في ربيع العام 2011. وتفسير اياد لهذا «الكَرَم الأسدي» أن اطلاق الارهابيين ساهم في تغذية الطابع المذهبي للحرب، لأن النظام يعرف طبيعة الافكار التي يحملها هؤلاء ويثق في قدرتهم على خدمة النظرية التي اطلقها منذ البداية: انه يواجه ارهابيين في سورية لا معارضين.

اما في العراق، فقد ساعد تهميش القيادات السنّية المعتدلة وحرمانها من حقها التمثيلي في العمل السياسي، في تغذية النزعات المتطرفة والمذهبية في هذا الشارع. لقد خدم هذا الفراغ تنظيم «داعش» الذي يحاول الايحاء، في مناطق سيطرته، أنه الصوت الوحيد القادر على الدفاع عن الظلامة اللاحقة بأهل السنّة، فيما هم منه براء، ولا حيلة لهم لا مع نوري المالكي ولا مع «داعش».

 

السابق
أيّها الطالب اللبناني: لا تحمل إرث الوزير بوصعب
التالي
المثالثة مطلب شيعي قديم