انعدام التواصل

أزمات كثيرة وقعت بين إسرائيل والولايات المتحدة. مشاجرات كثيرة طويلة وقصيرة. وفي سيرة قصيرة لدوايت آيزنهاور، نشرها مؤخرا المؤرخ البريطاني الشهير بول جونسون، وصف لموقف الرئيس الأميركي من حرب قادش (العدوان الثلاثي 1956) بأنه «خليط من الغضب الأخلاقي، والاحتقار المهني العسكري، والاشمئزاز الدبلوماسي».

 

وقد طلب من إسرائيل الانسحاب من سيناء. وكانت علاقاتها مع إدارة آيزنهاور باردة، لكن الأزمة ذاتها لم تستمر طويلا. هذا طابع الأزمات. تقريبا بعد عشرين عاما، دعا الرئيس جيرالد فورد «لإعادة تقييم» علاقات الدولتين، بسبب مواقف إسرائيل المتصلبة في المفاوضات مع مصر. وكانت هذه أزمة أيضا. بدأت في شهر آذار وانتهت «في مطلع الصيف»، كما جاء في الموجز التاريخي لوزارة الخارجية المحدث مؤخرا. وبين حكومة نتنياهو وإدارة الرئيس أوباما لم تعد أزمة في سلسلة، أي تأتي وتذهب.

 

بين الحكومتين هناك شرخ. وهو يتعمق من أزمة إلى أخرى لدرجة الشك في احتمال القدرة على رتقه. وبعد أن تبين أنه في المسألتين المركزيتين على جدول الأعمال، إيران وفلسطين، لا توافق بين الدولتين، لا بشأن الأهداف ولا بشأن طرق العمل، لم يبق سوى الانشغال بالمناورة المتبادلة. فإسرائيل تريد تقليص الضرر المتوقع عليها، إذا توصل الأميركيون إلى اتفاق مع إيران حول المشروع النووي: اتفاق يكون بعيدا عما تريد. والولايات المتحدة تريد منع إسرائيل من خطوات قد تخرب الاتفاق الذي يتبلور. والسياسة الخارجية الأميركية عديمة الطموح لأوباما ـ إن كان يمكن تسميتها سياسة – مريحة لإسرائيل إن كانت كل رغبتها هي تجنب الدخول في جولة أخرى من المحادثات مع الفلسطينيين بوساطة أميركية. فالرئيس لم يكن متحمسا لمبادرة وزير خارجيته جون كيري المتحمسة، ومشكوك إن كان سيسمح له مرة أخرى بتبذير وقته على نتنياهو وأبي مازن. لكنّ للامبالاة الأميركية ثمنا: هذا الأسبوع تعلمت حكومة إسرائيل أن الأميركيين يميلون للتعاون مع حكومة التكنوقراط للسلطة الفلسطينية المدعومة من جانب حماس. وتم الإعلان عن أن الحكومة «فوجئت». وهذا غريب. ويمكن الافتراض أن الحديث يدور عن مفاجأة مصطنعة، وهزة بلاستيكية. فمنذ شهور طويلة لا توجد لدى حكومة إسرائيل ثقة كبيرة بالرئيس أوباما. فيوم الاثنين وصف رئيس «معهد واشنطن»، روب ستالوف تسلسل وقوع الخلل في الاتصال بين الحكومتين الذي قاد إلى سوء فهم متبادل. شيء ما تشوش في الاتفاق بينهما واختلف الطرفان حول إمكان عدم الحديث مع حكومة «مدعومة من حماس» أم فقط حكومة «تحوي رجالا من حماس».

 

وخلل كهذا يقع أيضا عندما تكون العلاقات وثيقة. وهي تحدث أكثر عندما تكون العلاقات فاترة، ويكون التواصل مختلا. والأميركيون ينسقون مع إسرائيل ما هم مضطرون للتنسيق بشأنه، ويتنازلون عن التنسيق حينما لا يلحظون اضطرارا. مثلا، في مسألة كيفية التصرف مع الحكومة الفلسطينية الجديدة. صحيح هذا عقاب صغير (أو كبير، وفقا لزاوية النظر) لإسرائيل، على ما تعتبره إدارة أوباما تخريبا إسرائيليا مقصودا في محادثات السلام. لكن هذا عقاب موضعي. فهذا ليس ريغان الذي يصرخ على بيغين لوقف النار في بيروت. وهو ليس كيسنجر الذي يوبخ رابين كما لو أنه تلميذه، وليس بوش الذي يجبر شارون على التراجع عن تصريح بائس. وبديهي، هناك اهتمام سياسي وحزبي في الدولتين بمحاولة فهم من هو المذنب في هذا الوضع. ولكن قبل ذلك يجدر توصيف الوضع الراهن: أسوأ من أزمة. شموئيل روزنر «ذي بوست»، 5-6-2014

السابق
انتخابات بلا ديموقراطية و’ديموقراطية’ بلا انتخابات!
التالي
ما الذي يمنع الدولة من إيصال المياه؟