هل يصمد بشار الأسد إلى سنة 2021؟

كل المؤشرات السياسية كانت تشجع على الاعتقاد بأن بشار الأسد سيخوض معركة الرئاسة ليستمر في حكم سوريا. وقد لمَّح مراراً الى قرار تجديد ولايته سبع سنوات إضافية، مشترطاً موافقة الشعب السوري وتأييده.

تزامن هذا التلميح مع إقرار مجلس الشعب المواد المتعلقة بانتخاب السوريين غير المقيمين على الأراضي السورية، والذين تشملهم المواد من 105 الى 117. أي المواد التي تخوِّل المواطن حق الاقتراع بواسطة جواز سفره العادي والممهور بختم الأمن العام من أي مخرج حدودي سوري.
وقدّرت اللجان الانتخابية عدد النازحين في دول الجوار، مثل لبنان والأردن وتركيا والعراق، بأكثر من خمسة ملايين نسمة من أصل 22 مليوناً. إضافة الى آلاف المحاربين الذين غادروا البلاد وإنتهت فترة صلاحية جوازاتهم.
وكان الغرض من إقرار تلك المواد إقصاء معارضي النظام وإغماطهم حقهم الانتخابي. علماً أن المبعوث الأممي الى سوريا، الأخضر الابرهيمي، كان قد حذر من عواقب إجراء إنتخابات رئاسية، مؤكداً أن حصولها سينسف مفاوضات السلام. وقد أيّده في هذا التصور أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون وأمين عام الجامعة العربية نبيل العربي.
وحجة المعترضين في هذا المجال أن الفوضى العارمة التي تجتاح غالبية المدن السورية تجعل من إنتخابات الرئاسة عملاً غير شرعي وغير ديموقراطي ولا صدقية له.
ولكن الدول المتعاطفة مع نظام الأسد، مثل ايران وروسيا والصين، دعمت قرار إجراء إنتخابات الرئاسة، لأنها – في نظرها – تمنح حليفها حصانة إضافية يوظفها لتأكيد شرعيته. ومن جهة أخرى، فإن روسيا بالذات ستتسلح بتلك الشرعية كي تمنع الساحة الدولية في الأمم المتحدة من ممارسة ضغوطها السياسية لحرمانها من إستخدام حق الفيتو. وهو الحق الذي إستعمله سفيرها وسفير بيجينغ في المنظمة الدولية من أجل إنقاذ الأسد من عقوبات صارمة.
في هذا السياق، قامت الأسبوع الماضي الشبكة السورية لحقوق الانسان باصدار بيان مفصَّل تظهر فيه المخالفات القانونية والارتكابات الانسانية التي تلغي عن إنتخابات الأسد صفة الشرعية.
وقالت إن النظام يعتقل أكثر من 215 ألف سجين، وإنه إستعمل السلاح الكيميائي أكثر من 52 مرة، إضافة الى إستخدامه القنابل العنقودية والبراميل المتفجرة وصواريخ سكود.
وذكّرت الشبكة بالمبادرة التي أصدرتها الجمعية العمومية للأمم المتحدة سنة 2005، والتي تنصّ على التالي: عندما تفشل الدول في حماية مواطنيها من الابادات الجماعية، أو التطهير العرقي، أو جرائم الحرب، أو الجرائم ضد الانسانية… فان مسؤولية حماية المواطنين تنتقل الى المجتمع الدولي. وكان الهدف من التذكير بتلك المبادرة الحصول على مشروع قرار باحالة بشار الأسد الى المحكمة الجنائية في لاهاي، باعتباره خالف القسم الذي يجعل منه حامياً لأمن البلاد وسلامة العباد.
ومع أن الحالات التي عددتها المبادرة تنطبق على أوضاع النظام السوري وفشله في حماية المواطنين، إلا أن الأسد تنصَّل من واجبه ومسؤولياته، وإتهم الارهابيين بافتعال الحرب الأهلية.
وقد عبَّر الرئيس الأسد، السبت الماضي، عن إمتنانه لروسيا كونها إستخدمت حق النقض (الفيتو) لالغاء مشروع قرار يقضي باحالة ملف سوريا الى المحكمة الجنائية الدولية. كما شكر الوفد الروسي الذي زار دمشق قبل الانتخابات، ومنح النظام مساعدة بمبلغ 240 مليون أورو. ومع أن صحيفة كومرسانت الروسية ذكرت بأن المنحة ستخصص لتدابير ومساعدات إجتماعية… إلا أن الوقائع تؤكد أن هذا المبلغ صُرِف على الحملة الانتخابية، داخلياً وخارجياً.
وبحسب التقرير الأخير الذي نشره صندوق النقد الدولي برعاية الأمم المتحدة، فان سوريا فقدت أربعين في المئة من إنتاجها الوطني خلال سنوات الحرب. ويقدر التقرير أن الأضرار التي لحقت بالمباني الحكومية والخاصة زادت عن 144 مليار دولار. في حين وصل الدين القومي الى 126 في المئة من الناتج.
ويشير التقرير أيضاً الى أن ما نسبته ثمانين في المئة من مجموع الشركات الصناعية قد تعرض للأذى والدمار. وكان من نتيجة الحرب تعطيل ستين ألف منشأة صناعية من أصل مئة ألف.
إضافة الى هذه الحقائق، فان هناك أكثر من 11 مليون نسمة فقدوا مصادر رزقهم. وكنتيجة لذلك، حصل تمزق خطير في النسيج الاجتماعي بعدما إنتقل نصف المواطنين من مساكنهم وأحيائهم الأصلية الى أماكن أخرى.
زعماء المعارضة السورية يتحدثون دائماً عن الفجوة الوسيعة بين المساعدات التي يتلقاها النظام من حلفائه الايرانيين والروس والعراقيين… والمساعدات المحدودة التي يتلقونها من الدول المتعاطفة معهم. وقد عبَّر وزير الخارجية الاميركي جون كيري عن العجز الذي تعانيه الدول المانحة ولو على الصعيد الانساني، بقوله: نحن محبَطون.
أما على الصعيد العسكري، فقد أفادت صحيفة وول ستريت جورنال بأن الرئيس باراك اوباما أقرَّ خطة تدريبات واسعة باشراف السي آي ايه لثوار جدد. ولكنه ما زال متردداً بشأن منح هؤلاء الثوار سلاحاً نوعياً بهدف وقف الهجمات الفتاكة من الجو التي يقوم بها النظام.
ويتردد في واشنطن أن الجدل القائم داخل الادارة الاميركية يرتكز على طبيعة خطة التدريبات، وما إذا كان من الأفضل إعلانها أو الحفاظ على سريتها. ويبدو أن الجدل تحوَّل من موضوع عسكري الى موضوع سياسي، بدليل أن الادارة لا تريد إظهار دورها العسكري لئلا تُغضِب روسيا والصين.
في المرحلة الأخيرة، تظاهرت إدارة اوباما بأن إنتخاب الأسد لسبع سنوات جديدة لا يبدل موقفها من قرار إسقاطه. ولكن كيف؟ بعد فشل الوزير جون كيري في إيجاد حل مرضٍ، طلب من السفير السابق في سوريا روبرت فورد… ومن خلفه دانيال روبنشتاين، تقديم مطالعة بهذا الشأن. وتحفظ فورد في أجوبته، مشيراً الى أن الأسد في المرحلة المقبلة سيعتمد أكثر فأكثر على مقاتلي حزب الله اللبناني وفيلق القدس الايراني، والميليشيات العراقية. لهذا نصح زعماء المعارضة بضرورة التأقلم مع المتغيرات في استراتيجية النظام بحيث يخففون من إهتمامهم بالسيطرة على الأرض، ويستهدفون حلفاء الأسد وطرق إمداداتهم. وفي نهاية مطالعته، نصح بأن يكون الحل سياسياً لا عسكرياً.
أما السفير الاميركي الجديد في دمشق دانيال روبنشتاين فقد عرض على الحاضرين نتائج رحلته الى تركيا والأردن وفرنسا حيث إجتمع بزعماء المعارضة السورية. ومن خلال المحادثات المطولة التي أجراها معهم، نصح الادارة بضرورة دعم القوى المعتدلة والتصدي للأزمة الانسانية في لبنان والأردن وتركيا.
كذلك شدد روبنشتاين على أهمية تدمير كامل الأسلحة الكيميائية التي يملكها النظام السوري. وقال إن دمشق لم تنفذ وعودها، وإكتفت بازالة ثلث ما لديها فقط. وعليه دعا الى نقل جميع المواد الكيميائية المتبقية الى ميناء اللاذقية لتسهيل إزالتها من طريق البحر. وفي ختام عرضه، قال إن الأسد تأخر في تنفيذ التزاماته بشأن الأسلحة الفتاكة خوفاً من إزدياد خطر المعارضة، الأمر الذي يجبره على إستعمالها مرة أخرى.
في الخطاب الذي ألقاه في أكاديمية وست بوينت العسكرية، قال الرئيس اوباما إنه سيطلب من الكونغرس زيادة الدعم للمعارضة السورية المعتدلة التي تشكل أفضل بديل للارهابيين والديكتاتور الوحشي!
وقال خبراء إن الخطاب لم يكن حاسماً في ما يتعلق بحجم الدعم الذي سيقدم للمعارضة، وخصوصاً الجيش الحر. وهل أن القرار يشمل الدعم العسكري النوعي، أم أنه مجرد دعم ديبلوماسي، ومساعدات عسكرية جزئية لا تنجح سوى في إطالة أمد النزاع؟!
وفي تفسير آخر، يقول محللون إن خطاب الرئيس تضمّن الكثير من التناقضات حول تحديد هدف المساعدات. فاذا كانت الحرب ضد القاعدة في البؤرة المستهدَفة الآن، فان نتائجها ستفيد حتماً نظام الأسد الذي يسعى الى التغلب على القاعدة وأخواتها. وإذا كانت الحرب تستهدف نظام الأسد، فان تسليم 20 صاروخاً لحركة حزم لن تكون كافية لحسم المعارك. خصوصاً أن الصواريخ هي من النوع المضاد للدبابات وليس للطائرات!
ومثل هذا الاشكال يقود الى إستنتاج واضح، خلاصته أن اوباما لا يريد إنهاء الحرب في سوريا… ولا يريد إسقاط نظام الأسد. ولو كانت هذه نيته لكان نفذ هجومه العسكري فور إعلان الاستنفار، دون أن يترك لشريكه المضلل بوتين تسليم السلاح الكيميائي السوري كثمن للتراجع عن تسديد ضربة لا يريدها.
إذن، ماذا يريد اوباما؟
الجواب عند اسرائيل التي تفضِّل أن تبقى جارتها سوريا أسيرة توازن الفوضى بحيث لا ينتصر النظام، ولا تهزم الميليشيات المعارضة. ومثل هذه المراوحة تبقي ايران والعراق وحزب الله وروسيا في حال إستنفار دائم. كما تبقي الساحة السورية في حال إستنزاف متواصلة تنتهي في آخر الأمر الى تقسيم البلاد وإرهاق العباد. ولكن، هل يستطيع الرئيس المنتَخَب مجدداً بشار الأسد الصمود حتى منتصف سنة 2021؟ في حديثها الأسبوعي الأخير، قالت ماري هارف، المتحدثة باسم الخارجية الاميركية، إن واشنطن ستسمح بفتح مكاتب للائتلاف السوري المعارض. علماً أن هذه الخطوة لا تمثل إعترافاً من الولايات المتحدة بأن الائتلاف المعارض هو… الحكومة السورية.
وزادت هارف تقول: هذه الخطوة تمثل إنعكاساً لشراكتنا مع الائتلاف كممثل شرعي للشعب السوري. والمكاتب الديبلوماسية لا علاقة لها بطرد سفير النظام السوري من البلاد. ومعنى هذا باختصار شديد: ان الادارة الاميركية هي مع شرعية المعارضة… دون أن تكون ضد شرعية الحكومة التي سيختارها قريباً الرئيس بشار الأسد.
ورحم الله الحاج حسين العويني، صاحب نظرية: هيك… وهيك!

السابق
لأول مرة في التاريخ.. رفع الاذان من داخل الفاتيكان
التالي
حزب الله في الثقب الاسود السوري