موعد لكيري مع السيّد نصرالله

السيد حسن نصرالله

قد يكون جون كيري قد قرأ ما قاله مواطنه الاميركي دوغلاس كنيدي حول مشاهداته في لبنان. قال «احياناً تشعر في بيروت كما لو انك داخل الكوميديا الالهية (لدانتي)، واحياناً كما لو انك في الف ليلة وليلة. ولكن في بعض الاحيان لا بد ان تتساءل كيف للكائنات البشرية ان تعيش في هذه الجمهورية التي تختلط فيها اللحى الكئيبة او المتوترة بربطات العنق الزاهية».

وقال لاحدى الشاشات الاميركية «بين لحظة واخرى تنتقل من مقاديشو الى لاس فيغاس وبالعكس. ولكن في نهاية المطاف، لا بد ان تستغرب كيف ان هذا البلد الضائع على رقعة الشطرنج، يحمل على ظهره، على ظهره فقط، ازمة الشرق الاوسط».
والذين يلتقون السفير ديفيد هيل ينقلون عنه افتتانه بالظاهرة اللبنانية، كل العرب يحملقون بالشاشات التي تبث من بيروت، وسواء ظهرت امامهم مايا دياب التي تبدو في اكثر الاحيان اكثر قابلية للانفجار من القنبلة النووية ام ظهر امامهم مرشح لرئاسة الجمهورية يعد مواطنيه بأنه سيباشر، فور دخوله القصر، بتسيير قطارات الى القمر».

شيء ما يشبه «الغرنيكا الضاحكة». الصوملة السياسية تبدو اقرب الى الكوميديا منها الى التراجيديا. نبيه بري تحدث عن ذلك الطراز من السياسيين الذين لا يفرقون بين الجمهورية والدجاجة. بارعون في اختراع الازمات، وحين يغرقون يطلقون صيحات الاستغاثة. مشكلتهم الآن ان مشكلتهم هي الاقل اشكالية، والاقل هولاً، بين مشكلات المنطقة.
وقيل لنا ان كيري شغف ايضاً بلبنان. وفي لقاء مع وزير الخارجية الفرنسية السابق الآن جوبيه اعتبر هذا الاخير، وربما مازحاً، ان مشكلة لبنان انه كان دولة فرنكوفونية، وكان السياسيون فيه يتقاتلون أيّهم مع رينيه ديكارت وأيّهم مع جان – جاك روسو، والآن تحّول الى دولة انغلوفونية. لا يعرفون الآن من هي مرجعيتهم الاخلاقية ولا مرجعيتهم الفلسفية.

يقال في واشنطن ان كل ما يعرفه كيري بالديبلوماسية انه يتقن الفرنسية. ليس تاليران ولا ريشليو. قرأ امين معلوف وتعرّف على ذلك اللبنان من خلال «صخرة طانيوس»، لكنه تعرف على اولئك اللبنانيين من خلال «الهويات القاتلة».
من اطرف ما سمع من احد مرافقيه يوم الثلاثاءان وزير الخارجية الاميركية اكتفى بزيارة لبعض ساعات لان الازمة اللبنانية تحتاج الى بضعة قرون.

لبنانيون كثيرون ابتهجوا بالساعات الاميركية. اذاً لا يزال هناك مكان في ذاكرة الامبراطورية للجمهورية التي قال دوغلاس كنيدي انها تحمل ازمة الشرق الاوسط على ظهرها.
المراجع اللبنانية اخذت علماً بأن واشنطن هي من اوعزت الى احد الاطراف بالقفز فوق الهوة وتشكيل حكومة تمام سلام لان لبنان بدا في لحظة ما كما لو انه على ابواب جهنم بعدما تسللت الحرائق السورية الى قلب بيروت، وكاد يقول ان لبنان، والى اشعار آخر، تحت الوصاية الاميركية. لم يأت على ذكر النفط والغاز. لماذا؟
خبراء وصحافيون اميركيون، وفي بعض الاحيان ديبلوماسيون اميركيون، يقولون ان هذا الملف بالذات يمشي وفق الايقاع الاميركي، ودون اي اعتراض اقليمي على الاقل، فالتفاعلات في اوكرانيا وفي سوريا، وهي تفاعلات باتت الى حد بعيد تحت السيطرة، تبدو السبيل الى عقد الصفقة الكبرى حول اعادة هيكلية خارطة الثروات في المنطقة.

يفترض بلبنان الا ينفجر. يقول مسؤول فلسطيني كبير ان ادارة باراك اوباما، وبعد تلك المشقات الديبلوماسية، وبعد تلك المفاوضات العبثية، باتت على اقتناع بأن تسوية ازمة الشرق الاوسط تنطلق من سوريا ومن لبنان، فهل صحيح ما يتم تداوله في بعض المحافل الديبلوماسية من ان الاميركيين حاولوا توجيه رسالة معينة الى دمشق (ولعلها قد تكون وصلت فعلاً) بأن واشنطن مستعدة للاعتراف الفوري بالولاية الثالثة لبشار الاسد اذاً اظهر ميلاً لابرام معاهدة سلام تنطلق من حقول الغاز في المتوسط؟.
من بيروت دعا كيري روسيا وايران و«حزب الله» الى الحد من الحرب والعمل من اجل الحل السياسي في سوريا باعتباره الخيار الوحيد لاقفال الازمة هناك. بادئ بدء لا بد من التوقف عند السؤال التالي: هل تنظر واشنطن الى «حزب الله» على انه قوة عظمى او على الاقل قوة اقليمية مثلما توصف عادة روسيا، ومثلما توصف عادة ايران؟.

اذاً لماذا لم يطلب وزير الخارجية الاميركي موعداً للقاء السيد حسن نصر الله؟ هذا متوقع في وقت آخر.. الآن بالون اختبار لما ستكون عليه ردات الفعل فهل يعني ما قاله في السراي ان الآخرين، من تركيا والاردن وغيرهما وغيرهما في الحقيبة الاميركية. المهم هو موقف موسكو وطهران وحارة حريك التي باتت حاضرة استراتيجية وبما تعنيه الكلمة.
بطبيعة الحال، كلام الزائر الاميركي حمال اوجه، والبعض يذهبون في تأويله في كل الاتجاهات، من تلك الاوجه ان كيري بات مقتنعاً بأنه لا حل الا بالتفاهم مع تلك القوى الثلاث. وهذه القوى لا ترى حلاً الا في اطار النظام. وكل ما استطاع كيري قوله ان انتخابات الثلاثاء صفر هل فهمتم ماذا يعني؟

الرجل قال بالحل السياسي على انه الحل الوحيد. اذاً باب من يطرق؟ عليه ان يطرق الابواب الثلاثة. بدأ بلقاء سيرغي لافروف في باريس. بعد حين يلتقي محمد جواد ظريف. ثم ان وزير الخارجية الاميركية يدق على باب الضاحية. هل هذه صورة المرحلة المقبلة؟ لعل الجواب في بعض الاشارات التي وردت في خطاب «السيد». اذاً، لبنان ليس بلداً ضائعاً على رقعة الشطرنج!.

السابق
موغيريني: مؤتمر دولي لدعم الجيش اللبناني في 17 حزيران في ايطاليا
التالي
أمطار غزيرة على منطقة الضنية