نبيه برّي الماروني

حكاية الزعماء الموارنة مع «فخامة» الكرسي في قصر بعبدا تكاد تكون شبيهة بذلك الحدث التاريخي الذي جرى مثلاً يُروى في تاريخ الملوك والقصور.
إنها حكاية أبي عبدالله آخر ملوك العرب في الأندلس عندما سلَّم مفاتيح غرناطة الى فردينان وإيزابيل، فانسحب مع بعض الفرسان الى الجبال القريبة وهو يذرف الدمع على التاج المضيّع، وفجأة رأى امرأة تناديه وهي على جواد أصيل فإذا هي أمُّه… ولما سألها ما تريد قالت: «إبكِ مثل النساء مُلْكاً لم تحافظ عليه مل الرجال».

الموارنة يقيمون مجالس العزاء على المُلْك المضيَّع، على اعتبار أن جلالة المفقود هو من أهل البيت ومن الأسرة المالكة، وهم الذين تخلّوا عن العرش لفردينان الفارسي وإيزابيل العربية، وهم الذين يبكون مثل النساء على الأطلال الدارسة في أندلس القصر الجمهوري.

وفي آخر ما آل إليه البكاء الضاحك ما أشارت إليه مصادر 14 آذار لصحيفة الشرق الأوسط «أنّ فريقها لن يتراجع عن ترشيح رئيس حزب القوات سمير جعجع، قبل أن يتراجع فريق 8 آذار عن ترشيح ميشال عـون».

هكذا يصبح الكرسي الماروني كرةً يتقاذفها اللاَّعبون في «المونديال» الرئاسي عبر ازدواجية شخصية متنافرة في شخصتين حقيقيّتين أصلاً، ولكنْ، لأنَّ «أصْل الفتى ما قد حصَل»، فقد أصبحت الشخصيتان خياليتين كل واحدة منهما تجهل الأخرى.

يشهد عالمنا العربي مجازر همجية مسعورة في صراع الفخامات والجلالات حين يحدثنا التاريخ في السلوك المجتمعي عن مجتمع حضاري ديمقراطي، ومجتمع غرائزي متوحش يقول فيه الفيلسوف الفـرنسي باسكـال:

«ليس الإنسان مَلِكاً وليس حيواناً، ومن تعاسته، أنه إذا أراد أن يكون ملكاً صار حيواناً…».

إنها الآفة الإنسانية الكبرى التي فتكت بالمجتمعات العربية في المسيرةالحمراء سعياً الى المُلْك… وينتصر المُلْك حتى ولو تساقطت الأصوات في «براميل» الإقتراع والبصمات ممهورة بالدم، فيما تتلطّخ بصمات الإقتراع الماروني بألوانٍ من الصباغ الأزرق والأصفر على غرار ما في الوجوه من احمرار أو اصفرار.

وفي ظلّ هذا الفراغ المدوّي، في هياكل الدولة العظمـيَّة… والشغور المخيِّم كظلمةِ القبور على الضمائر والمصاير والقيادات والمؤسسات، تتّجه الأنظار الى شخصية مارونية بالمعنى الإستحقاقي بوصفه نبيه برّي. هو بما هو وبمن هو، مسؤول عن انتخاب الجمهورية بالرئيس، قبل انتخاب رئيس للجمهورية.

وحسْبُ الرئيس برّي الماروني بصفة البدل عن ضائع، أن يستوحي موطئ مار مارون الشيعي في الهرمل، أو أن يستلهم أبا نواس الذي استفتاه فقيهٌ يوماً، حول أفضلية المشي أمام الجنازة أو خلفها فقال له: لا تكن على النعش وسرْ كيفما شئت… لعل الرئيس برّي ينقل هذه النصيحة للزعماء الموارنة الأقوياء والمشغولين بإقامة مجالس العزاء، والذين ما زالوا يرفضون السير إلاَّ على النعش.

 

 

السابق
المصارف تنجو من عقوبات واشنطن ضد’حزب الله’
التالي
مخاوف إسرائيلية من استراتيجية «حزب الله» في «الحرب الثالثة»